للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةُ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصَةِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ ثَبَتَ وُجُوبُهَا فِي الْوَقْتِ وَفَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كَيْفِيَّةِ قَضَائِهَا وَقْتُ الْوُجُوبِ وَتُقْضَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهَا بَعْدَ سَابِقِيَّةِ الْوُجُوبِ، وَالْفَوْتُ يَكُونُ تَسْلِيمَ مِثْلِ الْوَاجِبِ الْفَائِتِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَةِ الْفَائِتِ لِتَكُونَ مِثْلَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْأَدَاءِ يَسْقُطُ بِعُذْرٍ فَلَأَنْ يَسْقُطَ وَصْفُهُ لِعُذْرٍ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِعُذْرٍ مَانِعٍ مِنْ الْوُجُوبِ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ يُعْتَبَرُ فِي قَضَائِهَا الْحَالُ وَهِيَ حَالُ الْقَضَاءِ لَا وَقْتُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَثْبُتْ فَيُقْضَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَلْ أُقِيمَ مَقَامَ صِفَةِ الْأَصْلِ خَلَفًا عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَيُرَاعَى صِفَةُ الْأَصْلِ لَا صِفَةُ الْفَائِتِ كَمَنَ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ بِالتَّيَمُّمِ أَنَّهُ يَقْضِيهَا بِطَهَارَةِ الْمَاءِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ فِي الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ كَذَلِكَ وَفَاتَتْهُ كَذَلِكَ فَيُرَاعَى وَقْتُ الْوُجُوبِ لَا وَقْتُ الْقَضَاءِ وَكَذَا الْمُقِيمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ السَّفَرِ يَقْضِيهَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْهُ بَعْدَ وُجُوبِهَا كَذَلِكَ فَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا قَضَى فَوَائِتَ الصِّحَّةِ قَضَاهَا عَلَى حَسَبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقَضَاءِ عَلَى حَسَبِ الْفَوَاتِ، وَأَصْلُ الْأَدَاءِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ وَصْفُهُ أَوْلَى، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ الْمَرَضِ يَقْضِيهَا عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الصِّحَّةِ لَا عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الْفَوَاتِ حَتَّى لَوْ قَضَاهَا كَمَا فَاتَتْهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ فَقَضَاهَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِالْإِيمَاءِ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الصَّلَاةِ خَلَفًا عَنْهَا لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ بِالْإِيمَاءِ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهَا فَبَقِيَ الْأَصْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّيهِ كَمَا وَجَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا إذَا فَاتَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَأَدْرَكَ الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ اللَّاحِقِ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ خَلْفَهُ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ حَتَّى صَلَّى الْإِمَامُ بَعْضَ صَلَاتِهِ ثُمَّ انْتَبَهَ أَوْ رَجَعَ مِنْ الْوُضُوءِ فَكَيْفَ يَقْضِي مَا سُبِقَ بِهِ؟ أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِيمَا أَدْرَكَ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي التَّسْلِيمِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَقُومُ هُوَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَلَوْ بَدَأَ بِمَا سُبِقَ بِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ بِالنَّصِّ وَالِانْفِرَادُ عِنْدَ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً حَسَنَةً فَاسْتَنُّوا بِهَا» أَمَرَ بِالِاسْتِنَانِ بِسُنَّتِهِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ عَقِيبَ الْإِدْرَاكِ بِلَا فَصْلٍ فَصَارَ نَاسِخًا لِمَا كَانَ قَبْلَهُ.

وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ يُتَابِعُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَإِتْمَامِهِ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلِهَذَا لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ لَا سَهْوٍ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ مُنْفَرِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ إلَّا فِي قَدْرِ مَا أَدْرَكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْرَأُ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِمَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ وَلَكِنَّهُ تَابَعَ الْإِمَامَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ تَفْسُدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالْمَسْأَلَةُ قَدْ مَرَّتْ ثُمَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ أَوْ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَكَذَا مَا يَقْضِيهِ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ آخَرَ صَلَاتَهُ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ أَنَّ مَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا كَمَا هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَمَا يُقْضَى آخِرُ صَلَاتِهِ حُكْمًا كَمَا هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ قَوْلِهِمْ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ: وَجَدْتُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَمَا يَقْضِي آخِرُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كَمَا قَالَ أُولَئِكَ إلَّا فِي حَقّ مَا يَتَحَمَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>