خَمْسَ سَجَدَاتٍ أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا لَا تَفْسُدُ وَيُنْظَرُ إلَى الْمُؤَدَّى وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَتَرَكَ مِنْهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا وَهُنَاكَ يُنْظَرُ إلَى الْمُؤَدَّى مِنْ السَّجَدَاتِ فَيَضُمُّ إلَى كُلِّ سَجْدَةٍ أَدَّاهَا سَجْدَةً ثُمَّ يُتِمُّ صَلَاتَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَكَذَا هَهُنَا.
وَلَوْ كَبَّرَ رَجُلٌ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ فَصَلَّى إمَامُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ النَّائِمَ بَعْدَ مَا انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ حَتَّى لَا يَتْبَعُوهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَةً وَسَجْدَةً، ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَتْبَعُهُ الْقَوْمُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَا يُصَلِّي الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ وَالْإِمَامُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِهِ النَّائِمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنَمْ وَلَكِنَّهُ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَدَّمَهُ فَهَذَا حُكْمُهُ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِقَضَاءِ السَّجَدَاتِ كَمَا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لَصَارَ مُرْتَكِبًا أَمْرًا مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ وَالْمُدْرِكُ يَأْتِي بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَإِنْ ابْتَدَأَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَقَدْ أَلْجَأَ الْقَوْمَ إلَى زِيَادَةِ مُكْثٍ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُشِيرَ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ سَجْدَةٍ، فَإِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ يُتَابِعُونَهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا الرَّكَعَاتِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا ثَانِيًا فَلَمَّا كَانَ تَقَدُّمُهُ يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ هُوَ.
وَلَوْ تَقَدَّمَ مَعَ هَذَا وَاشْتَغَلَ بِالْمَتْرُوكَاتِ أَوَّلًا وَتَابَعَهُ الْقَوْمُ جَازَ لِكَوْنِهِ خَلِيفَةَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ السَّجَدَاتُ لَا تُحْتَسَبُ مِنْ صَلَاتِهِ لَا يَصِيرُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ مِنْهُ نَفْلًا بَلْ هُوَ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ يُؤَدِّي الْفَرْضَ نَظِيرَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إمَامًا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَتَانِ غَيْرَ مَحْسُوبَتَيْنِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا بِسَجْدَتَيْهَا وَمَعَ ذَلِكَ جَازَتْ إمَامَتُهُ؛ لِأَنَّ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضَانِ عَلَى الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَلَوْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيُشِيرُ إلَى الْقَوْمِ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فَإِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ تَابَعَهُ الْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْجُدُوا هَذِهِ السَّجْدَةَ هَكَذَا فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا.
وَإِذَا فَعَلَ هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ مَا حَكَى جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْقَوْمُ لَا يُتَابِعُونَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ تَابَعُوهُ، حَكَى مُحَمَّدٌ ﵁ هَذَا ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ أَمَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَلِمَاذَا؟ قُلْتُ: إنَّ الْإِمَامَ مَرَّةً يَصِيرُ إمَامًا لِلْقَوْمِ وَغَيْرَ إمَامٍ مَرَّةً وَهَذَا قَبِيحٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا رَكْعَةً اُسْتُحْسِنَتْ فِي رَكْعَةٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ سُؤَالَهُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ جَعَلَ حِكَايَةَ هَذَا السُّؤَالِ مَعَ تَرْكِ الْجَوَابِ إخْبَارًا عَنْ الرُّجُوعِ، وَقَالَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَصِيرُ إمَامًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُؤْتَمًّا تَابِعًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ إمَامًا مَتْبُوعًا مُنَافَاةٌ، وَالصَّلَاةُ فِي نَفْسِهَا لَا تَتَجَزَّأُ حُكْمًا، فَمَنْ كَانَ فِي بَعْضٍ تَابِعًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَتْبُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ تَابِعًا فِي شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ صَيْرُورَتِهِ تَابِعًا فِي الْكُلِّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَكَذَا صَيْرُورَتُهُ مَتْبُوعًا فِي بَعْضٍ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ صَيْرُورَتِهِ مَتْبُوعًا فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ، فَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِهَا حِسًّا تَابِعًا وَفِي بَعْضِهَا مَتْبُوعًا كَأَنَّهُ فِي الْكُلِّ تَابِعٌ وَفِي الْكُلِّ مَتْبُوعٌ حُكْمًا؛ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ حُكْمًا، وَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ بِالنَّصِّ فَيَتَقَدَّرُ الْجَوَازُ بِقَدْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، وَالنَّصُّ مَا وَرَدَ فِيمَا يَصِيرُ إِمَامًا مِرَارًا ثُمَّ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا وَهَذَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُؤَدِّيهَا مُؤْتَمًّا، فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ الْمَتْرُوكَةِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ يَصِيرُ إمَامًا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلَائِلُ.
وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: اسْتَحْسَنْتُ هَذَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً لَا غَيْرُ مِنْ رَكْعَةٍ فَاسْتَخْلَفَ هَذَا النَّائِمَ وَابْتَدَأَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْقَوْمُ يَتَرَبَّصُونَ بُلُوغَهُ تِلْكَ السَّجْدَةَ فَإِذَا سَجَدَهَا سَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ بَعْدَهُ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا فَفِي هَذَا الْقِيَاسِ أَنْ تَفْسُدَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إمَامًا مَرَّةً وَمُؤْتَمًّا مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي الْجُمْلَةِ جَائِزٌ فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ مَسْبُوقًا يَجُوزُ وَقَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ كَانَ مُؤْتَمًّا وَبَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ إلَى تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ كَانَ إمَامًا ثُمَّ إذَا تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ غَيْرَهُ حَتَّى سَلَّمَ وَقَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ عَادَ مُؤْتَمًّا مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ، أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَيَصِيرُ مُؤْتَمًّا وَإِمَامًا مِرَارًا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا وَقَالُوا: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا رُجُوعًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute