للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مَرِيضًا فَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» .

وَأَمَّا الْأَعْمَى فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى الزَّمِنِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَحْمِلُهُ.

وَأَمَّا إذَا وَجَدَ قَائِدًا إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ قَائِدًا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحَجِّ إذَا كَانَ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ قَائِدًا أَوْ وَعَدَ لَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَقُودَهُ إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَالْمَسْأَلَةُ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ إذَا حَضَرُوا الْجَامِعَ وَأَدَّوْا الْجُمُعَةَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَصَلَاةُ الصَّبِيِّ تَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَا صَلَاةَ لِلْمَجْنُونِ رَأْسًا، وَمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَغَيْرِهِمْ تُجْزِيهِمْ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الظُّهْرُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَعْذَارِ وَقَدْ زَالَتْ وَصَارَ الْإِذْنُ مِنْ الْمَوْلَى مَوْجُودًا دَلَالَةً، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّ النِّسَاءُ يَجْمَعْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَيُقَالُ لَهُنَّ لَا تَخْرُجْنَ إلَّا تَفِلَاتٍ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ» ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَجِّ فِي الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَوْ أَدَّى الْحَجَّ مَعَ مَوْلَاهُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْجُمُعَةِ كَانَ نَظَرًا لِلْمَوْلَى وَالنَّظَرُ هَهُنَا فِي الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ وَقَدْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى الْمَوْلَى لَوَجَبَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَتَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ ثَانِيًا فَيَنْقَلِبُ النَّظَرُ ضَرَرًا وَذَا لَيْسَ بِحِكْمَةٍ فَتَبَيَّنَ فِي الْآخِرَةِ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ فَصَارَ مَأْذُونًا دَلَالَةً كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

وَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ يَجُوزُ وَيَجِبُ كَمَالُ الْأُجْرَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ النَّظَرَ لِلْمَوْلَى فِي الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ لِلْحَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ إذَا لَمْ نَحْكُمْ بِجَوَازِهِ بَلْ يُخَاطَبُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَتَعَطَّلُ عَلَى الْمَوْلَى مَنَافِعُهُ فَهُوَ الْفَرْقُ.

وَأَمَّا الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي فَخَمْسَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، الْمِصْرُ الْجَامِعُ، وَالسُّلْطَانُ، وَالْخُطْبَةُ، وَالْجَمَاعَةُ، وَالْوَقْتُ.

أَمَّا الْمِصْرُ الْجَامِعُ فَشَرْطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إلَّا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَمَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي تَوَابِعِهِ وَكَذَا لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ إلَّا فِي الْمَصْرِ وَتَوَابِعِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْمَصْرِ وَلَا يَصِحُّ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمِصْرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْوُجُوبِ وَلَا لِصِحَّةِ الْأَدَاءِ فَكُلُّ قَرْيَةٍ يَسْكُنُهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَيُقَامُ بِهَا الْجُمُعَةُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ جُمُعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِالْمَدِينَةِ لَجُمُعَةٌ جُمِعَتْ بِجُوَاثَى وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْبَحْرَيْنِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ بِجُؤَاثَى فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ أَجْمِعْ بِهَا وَحَيْثُ مَا كُنْتَ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ مِمَّا لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» ، وَكَذَا النَّبِيُّ «كَانَ يُقِيمُ الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ» ، وَمَا رُوِيَ الْإِقَامَةُ حَوْلَهَا، وَكَذَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَتَحُوا الْبِلَادَ وَمَا نَصَبُوا الْمَنَابِرَ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمِصْرَ شَرْطٌ؛ وَلِأَنَّ الظُّهْرَ فَرِيضَةٌ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِنَصٍّ قَاطِعٍ وَالنَّصُّ وَرَدَ بِتَرْكِهَا إلَّا الْجُمُعَةَ فِي الْأَمْصَارِ وَلِهَذَا لَا تُؤَدَّى الْجُمُعَةُ فِي الْبَرَارِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ أَعْظَمِ الشَّعَائِرِ فَتَخْتَصُّ بِمَكَانِ إظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَهُوَ الْمِصْرُ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ جُؤَاثَى مِصْرٌ بِالْبَحْرَيْنِ، وَاسْمُ الْقَرْيَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَلْدَةِ الْعَظِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا اجْتَمَعَ فِيهَا مِنْ الْبُيُوتِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢] وَهِيَ مِصْرُ وَقَالَ ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [محمد: ١٣] وَهِيَ مَكَّةُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَى غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْبَرَارِيِّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَدِّ الْمِصْرِ الْجَامِعِ وَمَعْرِفَةِ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ.

أَمَّا الْمِصْرُ الْجَامِعُ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَقَاوِيلُ فِي تَحْدِيدِهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْمِصْرَ الْجَامِعَ مَا أُقِيمَتْ فِيهِ الْحُدُودُ وَنُفِّذَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَاتٌ ذَكَرَ فِي الْإِمْلَاءِ كُلُّ مِصْرٍ فِيهِ مِنْبَرٌ وَقَاضٍ يُنْفِذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ فَهُوَ مِصْرٌ جَامِعٌ تَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ الْجُمُعَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ فِي قَرْيَةٍ مَنْ لَا يَسَعُهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ بَنَى لَهُمْ الْإِمَامُ جَامِعًا وَنَصَبَ لَهُمْ مَنْ يُصَلِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>