للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ عَشْرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ أَمَرْتُهُمْ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْمِصْرُ الْجَامِعُ مَا يَتَعَيَّشُ فِيهِ كُلُّ مُحْتَرِفٍ بِحِرْفَتِهِ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الِانْتِقَالِ إلَى حِرْفَةٍ أُخْرَى، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قَالَ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إذَا كَانُوا بِحَالٍ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ ذَلِكَ حَتَّى احْتَاجُوا إلَى بِنَاءِ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا مِصْرٌ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمِصْرُ الْجَامِعُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ مِصْرًا عِنْدَ ذِكْرِ الْأَمْصَارِ الْمُطْلَقَةِ، وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ حَدِّ الْمِصْرِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَقَالَ: أَنْ تَكُونَ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَوْ جَاءَهُمْ عَدُوٌّ قَدَرُوا عَلَى دَفْعِهِ فَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يُمَصَّرَ وَتَمَصُّرُهُ أَنْ يُنَصَّبَ فِيهِ حَاكِمٌ عَدْلٌ يُجْرِي فِيهِ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ خَصْمَانِ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمَا.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَفِيهَا وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ بِحَشَمِهِ وَعِلْمِهِ أَوْ عِلْمِ غَيْرِهِ وَالنَّاسُ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَأَمَّا تَفْسِيرُ تَوَابِعِ الْمِصْرِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ سَمَاعُ النِّدَاءِ إنْ كَانَ مَوْضِعًا يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ مِنْ الْمِصْرِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ فَعَلَيْهِمْ دُخُولُ الْمِصْرِ إذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلُّ قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِرَبَضِ الْمِصْرِ فَهِيَ مِنْ تَوَابِعِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِالرَّبَضِ فَلَيْسَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ عُمْرَانِ الْمِصْرِ فَلَيْسَ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ مِيلٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ وَإِلَّا فَلَا، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ، وَمَالِكٌ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ فِي أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا حَسَنٌ، وَيَتَّصِلُ بِهَذَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ بِمِنًى.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِهَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ هُوَ الْخَلِيفَةُ، أَوْ أَمِيرُ الْعِرَاقِ، أَوْ أَمِيرُ الْحِجَازِ، أَوْ أَمِيرُ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ، أَوْ رَجُلًا مَأْذُونًا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَمِيرَ الْمَوْسِمِ وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِتَسْوِيَةِ أُمُورِ الْحُجَّاجِ لَا غَيْرُ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ أَمِيرِ الْعِرَاقِ أَوْ أَمِيرِ مَكَّةَ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُقِيمًا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِمِنًى وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِعَرَفَاتٍ وَإِنْ أَقَامَهَا أَمِيرُ الْعِرَاقِ أَوْ الْخَلِيفَةُ نَفْسُهُ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الْخِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنًى مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِهَا وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ فَرَاسِخَ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ فِي تَقْدِيرِ التَّوَابِعِ فَأَمَّا عِنْدَنَا فَبِخِلَافِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِصْرَ الْجَامِعَ شَرْطٌ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ إنَّ مِنًى لَيْسَ بِمِصْرٍ جَامِعٍ بَلْ هُوَ قَرْيَةٌ فَلَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِهَا كَمَا لَا تَجُوزُ بِعَرَفَاتٍ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ؛ لِأَنَّ لَهَا بِنَاءً وَيُنْقَلُ إلَيْهَا الْأَسْوَاقُ وَيَحْضُرُهَا وَالٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيُنْفِذُ الْأَحْكَامَ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَمْصَارِ بِخِلَافِ عَرَفَاتٍ فَإِنَّهَا مَفَازَةٌ فَلَا تَتَمَصَّرُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَحَضْرَةِ السُّلْطَانِ.

وَهَلْ تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَارِجَ الْمِصْرِ مُنْقَطِعًا عَنْ الْعُمْرَانِ أَمْ لَا؟ ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِقْدَارَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَحَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ فَصَلَّى جَازَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ خَارِجَ الْمِصْرِ مُنْقَطِعًا عَنْ الْعُمْرَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي الْجُمُعَةِ بِمِنًى.

وَأَمَّا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُجَمِّعُوا فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هَكَذَا ذُكِرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ قَالَ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَ مَوْضِعَيْ الْإِقَامَةِ نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ أَوْ نَحْوِهَا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مِصْرَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّمَا تَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ لَا جِسْرَ عَلَى النَّهْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ فَلَا؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ مِصْرٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَأْمُرُ بِقَطْعِ الْجِسْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْفَصْلُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إذَا كَانَ الْمِصْرُ عَظِيمًا وَلَمْ يَجُزْ فِي الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ صَغِيرٌ لَا يَجُوزُ فَإِنْ أَدَّوْهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا وَعَلَى الْآخَرِينَ أَنْ يُعِيدُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>