الظُّهْرَ، وَإِنْ أَدَّوْهَا مَعًا أَوْ كَانَ لَا يَدْرِي كَيْفَ كَانَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرًا أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَانْطَلَقَ هُوَ إلَى حَاجَةٍ لَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ: تُجْزِئُ أَهْلَ الْمِصْرِ الْجَامِعِ وَلَا تُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ النَّاسَ بِذَلِكَ فَيَجُوزُ وَهَذَا كَجُمُعَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلِاسْتِسْقَاءِ يَدْعُو وَخَرَجَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ وَخَلَّفَ إنْسَانًا يُصَلِّي بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَلَمَّا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي الْجَبَّانَةِ وَهِيَ عَلَى قَدْرِ غَلْوَةٍ مِنْ مِصْرِهِ وَصَلَّى خَلِيفَتُهُ فِي الْمِصْرِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ: تُجْزِئُهُمَا جَمِيعًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ أَنَّهُ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَلَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجَبَّانَةِ فِي الْعِيدِ وَيَسْتَخْلِفُ فِي الْمِصْرِ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ وَلَمَّا جَازَ هَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَكَذَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي اخْتِصَاصِهِمَا بِالْمِصْرِ سِيَّانِ وَلِأَنَّ الْحَرَجَ يَنْدَفِعُ عِنْدَ كَثْرَةِ الزِّحَامِ بِمَوْضِعَيْنِ غَالِبًا فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الْإِطْلَاقِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مَحْمُولٌ عَلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ.
وَأَمَّا السُّلْطَانُ فَشَرْطُ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَجُوزَ إقَامَتُهَا بِدُونِ حَضْرَتِهِ أَوْ حَضْرَةِ نَائِبِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّلْطَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لِإِقَامَتِهَا السُّلْطَانُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَرَطَ الْإِمَامَ لِإِلْحَاقِ الْوَعِيدِ بِتَارِكِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ «وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ» .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ وَعَدَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْجُمُعَةَ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ السُّلْطَانَ لَأَدَّى إلَى الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ تُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَالتَّقَدُّمُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ يُعَدُّ مِنْ بَابِ الشَّرَفِ وَأَسْبَابِ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ فَيَتَسَارَعُ إلَى ذَلِكَ كُلُّ مَنْ جُبِلَ عَلَى عُلُوِّ الْهِمَّةِ وَالْمَيْلِ إلَى الرِّئَاسَةِ فَيَقَعُ بَيْنَهُمْ التَّجَاذُبُ وَالتَّنَازُعُ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّقَاتُلِ وَالتَّقَالِي فَفَوَّضَ ذَلِكَ إلَى الْوَالِي لِيَقُومَ بِهِ أَوْ يُنَصِّبَ مَنْ رَآهُ أَهْلًا لَهُ فَيَمْتَنِعُ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ عَنْ الْمُنَازَعَةِ لِمَا يَرَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِي أَوْ خَوْفًا مِنْ عُقُوبَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفَوِّضْ إلَى السُّلْطَانِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُؤَدِّي كُلُّ طَائِفَةٍ حَضَرَتْ الْجَامِعَ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ فَائِدَةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ لِإِحْرَازِ الْفَضِيلَةِ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِمَّا أَنْ لَا تُؤَدَّى إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَانَتْ الْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِينَ وَتَفُوتُ عَنْ الْبَاقِينَ فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ تَكُونَ إقَامَتُهَا مُتَوَجِّهَةً إلَى السُّلْطَانِ لِيُقِيمَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ عِنْدَ حُضُورِ عَامَّةِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ حَاضِرًا.
فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا بِسَبَبِ الْفِتْنَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَحْضُرْ وَالٍ آخَرُ بَعْدُ حَتَّى حَضَرَتْ الْجُمُعَةُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْعُيُونِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ﵁ أَنَّهُ لَمَّا حُوصِرَ قَدَّمَ النَّاسُ عَلِيًّا ﵁ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ.
وَرُوِيَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَالِي مِصْرٍ مَاتَ وَلَمْ يَبْلُغْ الْخَلِيفَةَ مَوْتُهُ حَتَّى حَضَرَتْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبُ الشَّرْطِ أَوْ الْقَاضِي أَجْزَأَهُمْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْعَامَّةُ رَجُلًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَائِمُونَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ حَالَ حَيَّاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ مَا لَمْ يُفَوِّضْ الْخَلِيفَةُ الْوِلَايَةَ إلَى غَيْرِهِ.
وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا كَانَ يَخْطُبُ فَجَاءَ سُلْطَانٌ آخَرُ إنْ أَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ الْخُطْبَةَ يَجُوزُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ خُطْبَةً وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ بِأَمْرِهِ فَصَارَ نَائِبًا عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِتْمَامِ وَلَكِنَّهُ سَكَتَ حَتَّى أَتَمَّ الْأَوَّلُ خُطْبَتَهُ فَأَرَادَ الثَّانِي أَنْ يُصَلِّيَ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرًا فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا حَضَرَ الثَّانِي وَقَدْ فَرَغَ الْأَوَّلُ مِنْ خُطْبَتِهِ فَصَلَّى الثَّانِي بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ إمَامٍ مَعْزُولٍ وَلَمْ تُوجَدْ الْخُطْبَةُ مِنْ الثَّانِي وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ هَذَا كُلِّهِ إذَا عَلِمَ الْأَوَّلُ بِحُضُورِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَخَطَبَ وَصَلَّى وَالثَّانِي سَاكِتٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْزُولًا إلَّا بِالْعِلْمِ كَالْوَكِيلِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابَ الْعَزْلِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَصَارَ مَعْزُولًا.
وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا كَانَ سُلْطَانًا فَجَمَعَ بِالنَّاسِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا إذَا كَانَ حُرًّا مُسَافِرًا وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ شَرْطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي هُوَ حُرٌّ مُقِيمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute