فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهَا حَتَّى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ وَكَذَا رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ كَذَا كَانَ يَفْعَلُ ثُمَّ أَخْبَرُوا أَنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَانَتْ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّنَاسُخِ حَيْثُ لَمْ تَحْمِلْ الْأُمَّةُ الْأَفْعَالَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَدَلَّ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ نُسِخَ بِهَذِهِ الَّتِي صَلَّاهَا آخِرَ صَلَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَلَيْسَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ.
إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، كُلُّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، وَالرَّافِضَةُ زَعَمَتْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا، وَهَذَا افْتِرَاءٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى فَاطِمَةَ أَرْبَعًا.
وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى فَاطِمَةَ أَبُو بَكْرٍ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، وَعُمَرُ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، فَإِذَا كَبَّرَ الْأُولَى أَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا اسْتِفْتَاحَ فِيهِ وَلَكِنَّ النَّقْلَ وَالْعَادَةَ أَنَّهُمْ يَسْتَفْتِحُونَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، كَمَا يَسْتَفْتِحُونَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَإِذَا كَبَّرَ الثَّانِيَةَ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ الصَّلَاةُ الْمَعْرُوفَةُ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَإِذَا كَبَّرَ الثَّالِثَةَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمَيِّتِ وَيَشْفَعُونَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ وَالسُّنَّةُ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يُقَدِّمَ الْحَمْدَ، ثُمَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَرْجَى أَنْ يُسْتَجَابَ، وَالدُّعَاءُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهُ يَذْكُرُ مَا يَدْعُو بِهِ فِي التَّشَهُّدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ إلَى آخِرِ هَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ صَبِيًّا فَإِنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَذُخْرًا وَشَفِّعْهُ فِينَا كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَةَ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ أَوَانُ التَّحَلُّلِ، وَذَلِكَ بِالسَّلَامِ وَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْلِيمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مَشْرُوعٌ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعْلَامِ بِالتَّسْلِيمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ بِلَا فَصْلٍ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ فِي زَمَانِنَا هَذَا يُخَالِفُ مَا يَقُولُهُ الْحَسَنُ، وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ دُعَاءٌ سِوَى السَّلَامِ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا يُخْتَمُ بِهِ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً إلَخْ.
فَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتَابِعْهُ الْمُقْتَدِي فِي الْخَامِسَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يُتَابِعُهُ وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ هَذَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيُتَابِعُ الْمُقْتَدِي إمَامَهُ، كَمَا فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا عَمَلٌ بِالْمَنْسُوخِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ ثَبَتَ انْتِسَاخُهُ بِمَا رَوَيْنَا فَظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ فِيهِ فَلَا يُتَابِعُهُ فِي الْخَطَأِ، بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ لَا يُتَابِعُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَاذَا يَفْعَلُ إذَا لَمْ يُتَابِعْهُ فِي التَّكْبِيرَةِ الزَّائِدَةِ فِي رِوَايَةٍ؟ قَالَ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ حَتَّى يُتَابِعَهُ فِي التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِخَطَأٍ إنَّمَا الْخَطَأُ مُتَابَعَتُهُ فِي التَّكْبِيرَةِ فَيَنْتَظِرُهُ وَلَا يُتَابِعُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يُسَلِّمُ وَلَا يَنْتَظِرُ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ فِي التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ عَقِيبَهَا هُوَ الْمَشْرُوعُ بِلَا فَصْلٍ فَلَا يُتَابِعُهُ فِي الْبَقَاءِ، كَمَا لَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرَةِ الزَّائِدَةِ.
وَلَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْتَرَضُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِيهَا، وَذَلِكَ عَقِيبَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بَعْدَ الثَّنَاءِ، وَعِنْدَنَا لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ لَمْ يُكْرَهْ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ: ﷺ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، وَقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» وَهَذِهِ صَلَاةٌ بِدَلِيلِ شَرْطِ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهَا، وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَبَّرَ عَلَى مَيِّتٍ أَرْبَعًا وَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَعَنْ» ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَجَهَرَ بِهَا وَقَالَ: إنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ» ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ يُقْرَأُ فِيهَا؟ فَقَالَ: لَمْ يُوَقِّتْ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَوْلًا وَلَا قِرَاءَةً» ، وَفِي رِوَايَةٍ دُعَاءً وَلَا قِرَاءَةً كَبِّرْ مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَاخْتَرْ مِنْ أَطْيَبِ الْكَلَامِ مَا شِئْت، وَفِي رِوَايَةٍ وَاخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute