وَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلدُّعَاءِ، وَمُقَدِّمَةُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ لَا الْقِرَاءَةُ، وَقَوْلُهُ ﵇ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ لَا يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً إنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِلْمَيِّتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا الْأَرْكَانُ الَّتِي تَتَرَكَّبُ مِنْهَا الصَّلَاةُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَّا أَنَّهَا تُسَمَّى صَلَاةً لِمَا فِيهَا مِنْ الدُّعَاءِ، وَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا صَلَاةً حَقِيقِيَّةً كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ الِاسْمِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَوْفٍ، وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَ عَلَى سَبِيلِ الثَّنَاءِ لَا عَلَى سَبِيلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ عِنْدَنَا.
وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ اخْتَارُوا رَفْعَ الْيَدِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَكَانَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يَرْفَعُ تَارَةً وَلَا يَرْفَعُ تَارَةً، وَجْهُ قَوْلِ مَنْ اخْتَارَ الرَّفْعَ: أَنَّ هَذِهِ تَكْبِيرَاتٌ يُؤْتَى بِهَا فِي قِيَامٍ مُسْتَوِي فَيَرْفَعُ الْيَدَ عِنْدَهَا كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرِ الْقُنُوتِ، وَالْجَامِعُ الْحَاجَةُ إلَى إعْلَامِ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْأَصَمِّ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَلَيْسَ فِيهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ» وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِيهَا إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، ثُمَّ لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ عِنْدَنَا فَكَذَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ.
وَلَا يَجْهَرُ بِمَا يَقْرَأُ عَقِيبَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ الْمُخَافَتَةُ.
صَلَّيْنَ النِّسَاءُ جَمَاعَةً عَلَى جِنَازَةٍ قَامَتْ الْإِمَامَةُ وَسَطَهُنَّ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الْمَعْهُودَةِ.
وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةً، أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ لَا يُكَبِّرُ، وَلَكِنَّهُ يَنْتَظِرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ، وَهَذَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ وَاحِدَةً حِينَ يَحْضُرُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْإِمَامُ كَبَّرَ وَاحِدَةً لَمْ يَقْضِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ كَبَّرَ ثِنْتَيْنِ قَضَى وَاحِدَةً وَلَا يَقْضِي تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ مَسْبُوقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرَةِ الِائْتِمَامِ حِينَ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ، كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا مَعَ الْإِمَامِ وَوَقَعَ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ سَابِقًا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِتَكْبِيرَةٍ: أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِقَضَاءِ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بَلْ يُتَابِعُهُ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْهُ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي أَدْرَكَهَا، وَلَا يَشْتَغِلُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ مَنْسُوخٌ، كَذَا هَهُنَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُدْرِكِ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ يُكَبِّرُونَ بَعْدَ الْإِمَامِ، وَيَقَعُ ذَلِكَ أَدَاءً لَا قَضَاءً فَيَأْتِي بِهَا حِينَ حَضَرَتْهُ النِّيَّةُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُدْرِكٍ لِلتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِقَضَائِهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَسَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي الْفَائِتَ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِدُونِ الْجِنَازَةِ لَا تُتَصَوَّرُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ كَبَّرَ وَاحِدَةً لَمْ يَقْضِ شَيْئًا، وَإِنْ كَبَّرَ ثِنْتَيْنِ قَضَى وَاحِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ، وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ وَاحِدَةً وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُكَبِّرْ شَيْئًا حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ، الصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا: لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ وَحْدَهُ لِمَا قُلْنَا: الْإِمَامُ لَا يُكَبِّرُ بَعْدَ هَذَا لِتَتَابُعِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَدْخُلُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الرَّابِعَةِ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ إذَا بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هَهُنَا يُكَبِّرُ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ وَقَدْ كَبَّرَ الْإِمَامُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ حَيْثُ لَا يُكَبِّرُ بَلْ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ حَتَّى يُكَبِّرَ الرَّابِعَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ جَوَّزْنَا هَهُنَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامَ هَهُنَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّورَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute