الْخَارِجِ مِمَّا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ بَلْ يَجِبُ سَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ، أَوْ لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْخَضْرَاوَاتُ كَالْبُقُولِ وَالرِّطَابِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَنَحْوِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْحُبُوبِ وَمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» .
وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وَأَحَقُّ مَا تَتَنَاوَلُهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْخَضْرَاوَاتِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُخْرَجَةُ مِنْ الْأَرْضِ حَقِيقَةً.
وَأَمَّا الْحُبُوبُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُخْرَجَةٍ مِنْ الْأَرْضِ حَقِيقَةً بَلْ مِنْ الْمُخْرَجِ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] أَيْ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي أَخْرَجْنَا لَكُمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ [الأعراف: ٢٦] أَيْ أَنْزَلْنَا الْأَصْلَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ اللِّبَاسُ وَهُوَ الْمَاءُ لَا عَيْنَ اللِّبَاسِ إذْ اللِّبَاسُ كَمَا هُوَ غَيْرُ مُنَزَّلٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الروم: ٢٠] أَيْ خَلَقَ أَصْلَكُمْ وَهُوَ آدَم ﵇ كَذَا هَذَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَقِيقَةُ مَا قُلْنَا وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ قَامَ دَلِيلُ الْعُدُولِ هُنَاكَ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ فِيمَا وَرَاءَهُ وَلِأَنَّ فِيمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْأَرْضِ وَالْإِنْبَاتَ مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٦٢] ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ﴾ [الواقعة: ٦٣] ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة: ٦٤] ؟ فَأَمَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَالْإِنْبَاتِ فَلِلْعَبْدِ فِيهِ صُنْعٌ مِنْ السَّقْيِ وَالْحِفْظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى النَّبَاتِ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْحُبُوبِ وقَوْله تَعَالَى ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] وَالْحَصَادُ الْقَطْعُ وَأَحَقُّ مَا يُحْمَلُ الْحَقُّ عَلَيْهِ الْخَضْرَاوَاتُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَجِبُ إيتَاءُ الْحَقِّ مِنْهَا يَوْمَ الْقَطْعِ.
وَأَمَّا الْحُبُوبُ فَيَتَأَخَّرُ الْإِيتَاءُ فِيهَا إلَى وَقْتِ التَّنْقِيَةِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْحُبُوبِ وَالْخَضْرَاوَاتِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ وَالنَّمَاءُ بِالْخُضَرِ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ رِيعَهَا، أَوْفَرُ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَغَرِيبٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ بِمِثْلِهِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الزَّكَاةِ، أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ " لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ " عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ بَلْ أَرْبَابُهَا هُمْ الَّذِينَ يُؤَدُّونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَكَانَ هَذَا نَفْيَ وِلَايَةِ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ وَبِهِ نَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَا النِّصَابُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ فَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي كَثِيرِ الْخَارِجِ وَقَلِيلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ، أَوْسُقٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ وَنَحْوِهَا، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ جُمْلَتُهَا نِصْفُ مَنٍّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْنَانٍ فَيَكُونُ جُمْلَتُهُ أَلْفًا وَمِائَتَيْ مَنٍّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَاحْتَجَّا فِي الْمَسْأَلَةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ، أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ لَا يُوجِبُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْجَوَابُ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْآحَادِ فَلَا يُقْبَلُ فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَإِنْ قِيلَ مَا تَلَوْتُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَرَوَيْتُمْ مِنْ السُّنَّةِ يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ مِنْ غَيْرِ التَّعَرُّضِ لِمِقْدَارِ الْمُوجَبِ مِنْهُ وَمَا رَوَيْنَا يَقْتَضِي الْمِقْدَارَ فَكَانَ بَيَانًا لِمِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ، وَالْبَيَانُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ كَبَيَانِ الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِهِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ وَمَا لَا يَدْخُلُ وَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ خَبَرِ الْمِقْدَارِ خَاصٌّ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ فَلَا يَصْلُحُ بَيَانًا لِلْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْبَيَانِ أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِجَمِيعِ مَا يَقْتَضِي الْبَيَانُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَوْرِدَ الْبَيَانِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّدَقَةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الزَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ أَنَّ مَا دُونَ خَمْسَةِ، أَوْسُقٍ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ تَمْرٍ لِلتِّجَارَةِ لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَا لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ يَحْتَمِلُ الزَّكَاةَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، ثُمَّ نَذْكُرُ فُرُوعَ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي فَصْلَيْ الْخِلَافِ وَمَا فِيهِ