للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُؤَاخَذُ بِعِلْمِهِ، فَيُوجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَلِهَذَا، أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمَ.

(وَلَنَا) أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ، وَإِفْطَارُ يَوْمٍ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالرُّؤْيَةِ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَلَمْ تَثْبُتْ رُؤْيَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا: أَنَّ تَفَرُّدَهُ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ مُسَاوَاةِ عَامَّةِ النَّاسِ إيَّاهُ فِي التَّفَقُّدِ مَعَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ دَلِيلُ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ، فَيَبْقَى مِنْ شَعْبَانَ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ بِالْإِفْطَارِ فِي يَوْمٍ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ فَمَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا رِوَايَةَ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ أَنَّهُ يَصُومُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ احْتِيَاطًا، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إنَّهُ لَا يَصُومُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ، وَلَوْ صَامَ هَذَا الرَّجُلُ وَأَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يُرَ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنْ زَادَ صَوْمُهُ عَلَى ثَلَاثِينَ لِأَنَّا إنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِالصَّوْمِ احْتِيَاطًا،، وَالِاحْتِيَاطُ هَهُنَا أَنْ لَا يُفْطِرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا رَآهُ لَمْ يَكُنْ هِلَالًا بَلْ كَانَ خَيَالًا فَلَا يُفْطِرُ مَعَ الشَّكِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ لَلَحِقَهُ التُّهْمَةُ لِمُخَالِفَتِهِ الْجَمَاعَةَ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُفْطِرَ وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا، رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً، غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ، أَوْ مَحْدُودًا تَائِبًا، بَعْدَ أَنْ كَانَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا عَدْلًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا تُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ أَبْصَرْتُ الْهِلَالَ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُمْ يَا بِلَالُ فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» ، فَقَدْ قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ حُكْمَهُ يُلْزِمُ الشَّاهِدَ وَهُوَ الصَّوْمُ وَحُكْمُ الشَّهَادَةِ لَا يُلْزِمُ الشَّاهِدَ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُتَّهَمُ فِي إيجَابِ شَيْءٍ عَلَى نَفْسِهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ، وَالْعَدَدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِخْبَارِ، إلَّا أَنَّهُ إخْبَارٌ فِي بَابِ الدِّينِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَدَالَةُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْعَدَالَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، فَيَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ الْحَقِيقِيَّةُ بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِخْبَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَحَّتْ رِوَايَتُهُمَا؟ .

وَكَذَا الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ قَبِلُوا إخْبَارَ أَبِي بَكْرَةَ وَكَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ شَهَادَتَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَا تُقْبَلُ،، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُقْبَلُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ، وَخَبَرُهُ مَقْبُولٌ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَيَجُوزُ إخْبَارُ رَجُلٍ عَدْلٍ عَنْ رَجُلٍ عَدْلٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، وَلَوْ رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَيُؤَاخَذُ بِمَا عِنْدَهُ، وَلَوْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؟ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَأَمَّا هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ جَمَاعَةٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِخَبَرِهِمْ كَمَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الصَّوْمِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، حُرَّيْنِ، عَاقِلَيْنِ، بَالِغَيْنِ، غَيْرِ مَحْدُودَيْنِ، فِي قَذْفٍ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُقُوقِ، وَالْأَمْوَالِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَكَانَ لَا يُجِيزُ الْإِفْطَارَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ» وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ شَيْءٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ لَهُ فِيهَا نَفْعٌ وَهُوَ إسْقَاطُ الصَّوْمِ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ مُتَّهَمًا، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ هِلَالِ رَمَضَانَ هُنَاكَ لَا تُهْمَةَ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُتَّهَمُ فِي الْإِضْرَارِ بِنَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الصَّوْمِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَى النَّاسِ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنْ صَامُوا رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>