بِتَمَامِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الْفِطْرِ يُقْبَلُ وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْدَ كَمَالِ الْعَدَدِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ بِشَهَادَتِهِ فَثَبَتَتْ الرَّمَضَانِيَّةُ بِشَهَادَتِهِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ، لَا فِي حَقِّ الْفِطْرِ، لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْفِطْرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ وَحْدَهُ مَقْصُودًا لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ لَهُمَا شَهَادَةً عَلَى الصَّوْمِ، وَالْفِطْرِ جَمِيعًا.
أَلَا تَرَى لَوْ شَهِدَا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِ مِنْ طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ،، وَالِاحْتِيَاطُ هَهُنَا فِي أَنْ لَا يُفْطِرُوا بِخِلَافِ مَا إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَاكَ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مُطْلَقٍ، فَيَظْهَرُ فِي الصَّوْمِ، وَالْفِطْرِ جَمِيعًا.
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ عِنْدَ تَمَامِ الْعَدَدِ، فَأَوْرَدَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَلَى مُحَمَّدٍ إشْكَالًا فَقَالَ: إذَا قَبِلْتَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي الصَّوْمِ تُفْطِرُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَمَتَى أَفْطَرْتَ عِنْدَ كَمَالِ الْعَدَدِ عَلَى شَهَادَتِهِ فَقَدْ أَفْطَرْتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ؟ فَأَجَابَ مُحَمَّدٌ ﵀ فَقَالَ: لَا أَتَّهِمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَتَعَجَّلَ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي شَهَادَتِهِ فَالصَّوْمُ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيُخْتَمُ بِكَمَالِ الْعَدَدِ، وَقِيلَ فِيهِ بِجَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ جِوَازَ الْفِطْرِ عِنْدَ كَمَالِ الْعَدَدِ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِ مَقْصُودًا بَلْ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ.
وَقَدْ يَثْبُتُ بِمُقْتَضَى الشَّيْءِ مَا لَا يَثْبُتُ بِهِ مَقْصُودًا كَالْمِيرَاثِ بِحُكْمِ النَّسَبِ الثَّابِتِ أَنَّهُ يَظْهَرُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِالْوِلَادَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ بِشَهَادَتِهَا مَقْصُودًا، وَالِاسْتِشْهَادُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا لَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ بِالْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ عِنْدَهُ.
(وَأَمَّا) هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا مَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا فِي هِلَالِ شَوَّالٍ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى النَّاسِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ، وَالصَّحِيحُ: هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ بَلْ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ.
وَلَوْ رَأَوْا يَوْمَ الشَّكِّ الْهِلَالَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ مِثْلُ قَوْلِهِمَا.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ رِوَايَةٌ أُخْرَى مِثْلُ قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ ﵄.
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ هِلَالُ شَوَّالٍ إذَا رَأَوْهُ يَوْمَ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا، وَيَكُونُ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، وَعِنْدَهُ إنْ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ يَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْهِلَالَ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ عَادَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ، وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَكَوْنَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ، وَلَهُمَا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» أَمَرَ بِالصَّوْمِ، وَالْفِطْرِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَفِيمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ يَتَقَدَّمُ وُجُوبُ الصَّوْمِ، وَالْفِطْرِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ مِصْرٍ لَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ فَأَكْمَلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ عَشِيَّةَ التَّاسِعِ، وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ أَهْلُ الْمِصْرِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَصَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَأَهْلُ الْمِصْرِ قَدْ أَصَابُوا وَأَحْسَنُوا وَأَسَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَأَخْطَأَ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ إذْ السُّنَّةُ أَنْ يُصَامَ رَمَضَانُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ.
وَقَدْ عَمِلَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِذَلِكَ وَخَالَفَ الرَّجُلُ فَقَدْ أَصَابَ أَهْلُ الْمِصْرِ وَأَخْطَأَ الرَّجُلُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ إلَى جَمِيعِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلَاثًا وَحَبَسَ إبْهَامَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ» فَثَبَتَ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «صُمْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ