الْوُجُوبِ بَلْ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا.
أَلَا تَرَى: أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ الزَّادِ، وَالرَّاحِلَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا مَحْرَمَ: إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا كَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ الْمَحْرَمِ فِي الْحَجَّةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهَا وَهُوَ: الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ.
(وَلَنَا) : أَنَّهَا إذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا فَقَدْ اسْتَطَاعَتْ إلَى حَجِّ الْبَيْتِ سَبِيلًا؛ لِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى الرُّكُوبِ، وَالنُّزُولِ وَأَمِنَتْ الْمَخَاوِفَ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ يَصُونُهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ يَفُوتُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ "، فَنَقُولُ: مَنَافِعُهَا مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ فِي الْفَرَائِضِ كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى حَجَّةِ التَّطَوُّعِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا كَمَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَصَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّابَّةِ، وَالْعَجُوزِ.
وَكَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَاجَةِ الْمَرْأَةِ إلَى مَنْ يُرْكِبُهَا، وَيُنْزِلُهَا بَلْ حَاجَةُ الْعَجُوزِ إلَى ذَلِكَ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهَا أَعْجَزُ.
وَكَذَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ.
وَكَذَا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا الرِّجَالُ حَالَ رُكُوبِهَا، وَنُزُولِهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الزَّوْجِ أَوْ إلَى الْمَحْرَمِ لِيَصُونَهَا عَنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ صِفَةُ الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ إمَّا بِالْقَرَابَةِ، أَوْ الرَّضَاعِ، أَوْ الصِّهْرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ تُزِيلُ التُّهْمَةَ فِي الْخَلْوَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْمَحْرَمَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْرَمُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُنَافِي الْمَحْرَمِيَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُشْرِكًا؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ، وَالْمُشْرِكَ يَحْفَظَانِ مَحَارِمَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ نِكَاحِهَا فَلَا تُسَافِرُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَقَالُوا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ، وَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَمْ يُفِقْ: إنَّهُمَا لَيْسَا بِمَحْرَمَيْنِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمَا حِفْظُهَا، وَقَالُوا فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا: إنَّهَا تُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فَإِذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا تُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِحَيْثُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ثُمَّ الْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ يُشْتَرَطُ لِلسَّفَرِ، وَمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَ بِسَفَرٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَحْرَمُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِلْخُرُوجِ مِنْ مَحِلَةٍ إلَى مَحِلَةٍ، ثُمَّ الزَّوْجُ أَوْ الْمَحْرَمُ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَمْ شَرْطُ الْجَوَازِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْمُعْتَدَّاتِ بِقَوْلِهِ ﷿: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ﴾ [الطلاق: ١] .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ رَدَّ الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ رَدَّهُنَّ مِنْ الْجُحْفَةِ.
وَلِأَنَّ الْحَجَّ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَمَّا الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا إنَّمَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ خَاصَّةً فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى، وَإِنْ لَزِمَتْهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى السَّفَرِ، وَهِيَ مُسَافِرَةٌ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا، أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ، فَإِنْ كَانَ إلَى مَنْزِلِهَا أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ، وَإِلَى مَكَّةَ مُدَّةُ سَفَرٍ فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَى مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إنْشَاءُ سَفَرٍ فَصَارَ كَأَنَّهَا فِي بَلَدِهَا، وَإِنْ كَانَ إلَى مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ، وَإِلَى مَنْزِلِهَا مُدَّةُ سَفَرٍ مَضَتْ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى الْمَحْرَمِ فِي أَقَلِّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُدَّةُ سَفَرٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْمِصْرِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِلَا مَحْرَمٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ فِي بَعْضِ الْقُرَى بِحَيْثُ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا، وَمَالِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْضِيَ فَتَدْخُلَ مَوْضِعَ الْأَمْنِ ثُمَّ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ وَجَدَتْ مَحْرَمًا أَوْ لَا، وَعِنْدَهُمَا: تَخْرُجُ إذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ (كِتَابِ الطَّلَاقِ) وَنَذْكُرُهَا بِدَلَائِلِهَا فِي فُصُولِ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ لِعُذْرٍ كَالْمَرِيضِ، وَنَحْوِهِ، وَلَهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحِجَّ رَجُلًا عَنْهُ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا وَجَدَ شَرَائِطَ جَوَازِ الْإِحْجَاجِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَاحِدٌ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ فَحَجَّ بِنَفْسِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ