للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْهَدْيِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْمُحْصَرِ تَحَلُّلٌ قَبْلَ أَوَانِ التَّحَلُّلِ يُبَاحُ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الضَّرَرِ بِبَقَائِهِ مُحْرِمًا رُخْصَةً وَتَيْسِيرًا، فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالطَّوَافِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ فَائِتُ الْحَجِّ، إذْ الْمُحْصَرُ فَائِتُ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا حُكْمُ التَّحَلُّلِ فَصَيْرُورَتُهُ حَلَالًا يُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُ جَمِيعِ مَا حَظَرَهُ الْإِحْرَامُ لِارْتِفَاعِ الْحَاظِرِ، فَيَعُودُ حَلَالًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ.

وَأَمَّا الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ بِغَيْرِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فَكُلُّ مُحْصَرٍ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْإِحْرَامِ شَرْعًا لَحِقَ الْعَبْدَ، كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الْمَمْنُوعَيْنِ شَرْعًا لِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى بِأَنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، أَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، فَلِلزَّوْجِ وَالْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُمَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ ذَبْحِ الْهَدْيِ، فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي مَوْضِعَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: فِي جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّحَلُّلِ، وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ أَمَّا الْجَوَازُ؛ فَلِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِ الْمَرْأَةِ حَقُّ الزَّوْجِ وَمِلْكُهُ عَلَيْهَا فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْإِحْرَامِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّحَلُّلِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَوْقِيفِهِ عَلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ فِي الْحَرَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ لِلْحَالِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِلْحَالِ.

وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ الْهَدْيَ، أَوْ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ لِيُذْبَحَ عَنْهَا، لِأَنَّهَا تَحَلَّلَتْ بِغَيْرِ طَوَافٍ، وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ كَمَا عَلَى الرَّجُلِ الْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا مَحْرَمَ، أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ فَمَاتَ أَنَّهَا لَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْعَبْدِ، فَكَانَ تَحَلُّلُهَا جَائِزًا لَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهَا لِأَحَدٍ، أَلَا تَرَى لَهَا أَنْ تَبْقَى عَلَى إحْرَامِهَا مَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا، أَوْ زَوْجًا، فَكَانَ تَحَلُّلُهَا بِمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ لِلتَّحَلُّلِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ: ذَبْحُ الْهَدْيِ فَهُوَ الْفَرْقُ.

وَكَذَا الْعَبْدُ بِمَنَافِعِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَيَحْتَاجُ إلَى تَصْرِيفِهِ فِي وُجُوهِ مَصَالِحِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْإِحْرَامِ، فَيَحْتَاجُ إلَى التَّحَلُّلِ فِي الْحَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْقِيفِ عَلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ فِي الْحَرَمِ مِنْ تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ فَيُحَلِّلُهُ الْمَوْلَى لِلْحَالِ، وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا أَهْلًا، إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ حَقُّهُ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ لِفَوَاتِ الْحَجِّ فِي عَامِهِ ذَلِكَ.

وَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ يُكْرَهُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا وَعَدَ وَخُلْفٌ فِي الْوَعْدِ، فَيُكْرَهُ.

وَلَوْ حَلَّلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِمَنَافِعِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَزُفَرَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي الْحَجِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْإِذْنِ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ بَعْدَ الْإِذْنِ قَائِمٌ وَهُوَ الْمِلْكُ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا قُلْنَا.

وَإِذَا حَلَّلَهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِعَبْدِهِ شَيْءٌ.

وَلَوْ أُحْصِرَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ لَلَزِمَهُ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَلَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ حَقٌّ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ صَارَ مِمَّنْ يُثْبَتُ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ، فَصَارَ كَالْحُرِّ إذَا حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ فَأُحْصِرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَنْ يَبْعَثَ الْهَدْيَ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ: أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ فَيَحِلَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ وَجَبَ لِبَلِيَّةٍ اُبْتُلِيَ بِهَا الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى.

وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ، وَلِهَذَا كَانَ دَمُ الْإِحْصَارِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ إذَا أُحْصِرَ الْحَاجُّ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَلَيْهِ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ بَاعَهُمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهُمَا وَيُحَلِّلَهُمَا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.

وَفِي قَوْلِ زُفَرَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا بِالْعَيْبِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَرْأَةُ إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا.

وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَذَا حَكَى الْقَاضِي الْخِلَافَ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ.

وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ، وَزُفَرَ.

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ الَّذِي انْتَقَلَ إلَى الْمُشْتَرِي هُوَ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهُ عِنْدَهُ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ بِالْإِذْنِ كَذَا الْمُشْتَرِي.

وَلَنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ لَمْ يَقَعْ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحْرَمَ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إذْنِهِ.

وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ، كَذَا هَذَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي الْحَجِّ ثُمَّ بَاعَهُ لَا أَكْرَهُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، لِمَا فِيهِ مِنْ خَلْفِ الْوَعْدِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي أَمَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي الْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ لَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُحَلِّلَهَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا ثَبَتَ لِلزَّوْجِ بِمَنْعِهَا مِنْ السَّفَرِ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهَا.

وَمَنْعُ الْأَمَةِ مِنْ السَّفَرِ إلَى مَوْلَاهَا دُونَ الزَّوْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>