للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فِي أَخَاقِيقِ جُرْذَانَ فَمَاتَ لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» .

وَلَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقْصِدُ بِهِ التَّغْطِيَةَ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَاللُّبْسِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّغْطِيَةَ كَإِجَّانَةٍ، أَوْ عِدْلِ بَزٍّ وَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ لُبْسًا، وَلَا تَغْطِيَةً.

وَكَذَا لَا يُغَطِّي الرَّجُلُ وَجْهَهُ عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " يَجُوزُ لَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ ".

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُغَطِّي وَجْهَهَا.

وَكَذَا لَا بَأْسَ أَنْ تُسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا بِثَوْبٍ وَتُجَافِيَهُ عَنْ وَجْهِهَا، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» جَعَلَ إحْرَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلٍّ خَاصٍّ، وَلَا خُصُوصَ مَعَ الشَّرِكَةِ وَلِهَذَا لَمَّا خَصَّ الْوَجْهَ فِي الْمَرْأَةِ بِأَنَّ إحْرَامَهَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِهَا، فَكَذَا فِي الرَّجُلِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى أَحْوَالِ الْمُحْرِمِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا، لِأَنَّ الْعَادَةَ هُوَ الْكَشْفُ فِي الرِّجَالِ فَكَانَ السَّتْرُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ،، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِيهِنَّ السَّتْرُ فَكَانَ الْكَشْفُ خِلَافَ الْعَادَةِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ» وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَى؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ إحْرَامَ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ فِي وَجْهِهِ وَلَا يُوجِبُ أَيْضًا، فَكَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَيَقِفُ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّا إنَّمَا عَرَفْنَا أَنَّ إحْرَامَهَا لَيْسَ فِي رَأْسِهَا إلَّا بِقَوْلِهِ " وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا " بَلْ بِدَلِيلٍ آخَرَ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا أُصْبِغَ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخِيطًا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ؛ وَلِأَنَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ طِيبٌ، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ وَلَا يَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ وَهُوَ: الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ لَبِسَتْ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ فِي الْإِحْرَامِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: " مَا أَرَى أَنَّ أَحَدًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ " وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى طَلْحَةَ لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ فِي الْإِحْرَامِ، فَقَالَ طَلْحَةُ: " إنَّمَا هُوَ مُمَشَّقٌ بِمَغْرَةٍ " فَقَالَ عُمَرُ : " إنَّ كَمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ " فَدَلَّ إنْكَارُ عُمَرَ وَاعْتِذَارُ طَلْحَةَ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُمَشَّقَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " إنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ " أَيْ: مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ رُبَّمَا يَظُنُّ أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِغَيْرِ الْمَغْرَةِ فَيَعْتَقِدُ الْجَوَازَ، فَكَانَ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ عَسَى فَيُكْرَهُ، وَلِأَنَّ الْمُعَصْفَرَ طِيبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَكَانَ كَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا كَرِهَتْ الْمُعَصْفَرَ فِي الْإِحْرَامِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَصْبُوغِ بِمِثْلِ الْعُصْفُرِ كَالْمَغْرَةِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ عَلِيٍّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُعَارِضٌ بِقَوْلِ عُثْمَانَ وَهُوَ: إنْكَارُهُ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِلتَّعَارُضِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَغْسُولًا.

فَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ غُسِلَ حَتَّى صَارَ لَا يَنْفُضُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ قَدْ غُسِلَ وَلَيْسَ لَهُ نَفْضٌ وَلَا رَدْغٌ» وَقَوْله " لَا يَنْفُضُ " لَهُ تَفْسِيرَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ: رُوِيَ عَنْهُ لَا يَتَنَاثَرُ صِبْغُهُ.

وَرُوِيَ لَا يَفُوحُ رِيحُهُ، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى زَوَالِ الرَّائِحَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَا يَتَنَاثَرُ صِبْغُهُ، وَلَكِنْ يَفُوحُ رِيحُهُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ بَقَاءِ الطِّيبِ، إذْ الطِّيبُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَكَذَا مَا صُبِغَ بِلَوْنِ الْهَرَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ صِبْغٌ خَفِيفٌ فِيهِ أَدْنَى صُفْرَةٍ لَا تُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةٌ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ: " لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَوَسَّدَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ، وَلَا الْوَرْسِ، وَلَا يَنَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ فَكَانَ كَاللُّبْسِ ".

وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْخَزِّ وَالصُّوفِ وَالْقَصَبِ وَالْبُرْدِ وَإِنْ كَانَ مُلَوَّنًا كَالْعَدَنِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الزِّينَةِ.

وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الطَّيْلَسَانَ؛ لِأَنَّ الطَّيْلَسَانَ لَيْسَ بِمَخِيطٍ، وَلَا يَزُرُّهُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّ الزِّرَةَ مَخِيطٌ فِي نَفْسِهَا، فَإِذَا زَرَّهُ فَقَدْ اشْتَمَلَ الْمَخِيطُ عَلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا زَرَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى تَكَلُّفِ فَأَشْبَهَ لُبْسَ الْمَخِيطِ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ، وَالْإِزَارِ.

وَيُكْرَهُ أَنْ يُخَلِّلَ الْإِزَارَ بِالْخِلَالِ، وَأَنْ يَعْقِدَ الْإِزَارَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى مُحْرِمًا قَدْ عَقَدَ ثَوْبَهُ بِحَبْلٍ فَقَالَ لَهُ: انْزِعْ الْحَبْلَ وَيْلَكَ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>