يَعْقِدَ الْمُحْرِمُ الثَّوْبَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَخِيطَ فِي عَدَمِ الْحَاجَةِ فِي حِفْظِهِ إلَى تَكَلُّفٍ وَلَوْ فَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخِيطٍ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَزَّمَ بِعِمَامَةٍ يَشْتَمِلُ بِهَا وَلَا يَعْقِدُهَا؛ لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْعِمَامَةِ عَلَيْهِ اشْتِمَالُ غَيْرِ الْمَخِيطِ فَأَشْبَهَ الِاتِّشَاحَ بِقَمِيصٍ، فَإِنْ عَقَدَهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَخِيطَ كَعَقْدِ الْإِزَارِ وَلَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ وَالْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ.
سَوَاءٌ كَانَ فِي الْهِمْيَانِ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ شَدَّ الْمِنْطَقَةَ بِالْإِبْزِيمِ، أَوْ بِالسُّيُورِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمِنْطَقَةِ: " إنْ شَدَّهُ بِالْإِبْزِيمِ يُكْرَهُ، وَإِنْ شَدَّهُ بِالسُّيُورِ لَا يُكْرَهُ " وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْهِمْيَانِ: " إنْ كَانَ فِيهِ نَفَقَتُهُ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ يُكْرَهُ " وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ شَدَّ الْهِمْيَانِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَهِيَ اسْتِيثَاقُ النَّفَقَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي نَفَقَةِ غَيْرِهِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْإِبْزِيمَ مَخِيطٌ فَالشَّدُّ بِهِ يَكُونُ كَزِرِّ الْإِزَارِ بِخِلَافِ السَّيْرِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْهِمْيَانِ فَقَالَتْ: " أَوْثِقْ عَلَيْك نَفَقَتَك " أَطْلَقَتْ الْقَضِيَّةَ وَلَمْ تَسْتَفْسِرْ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْهِمْيَانِ يَشُدُّهُ الْمُحْرِمُ فِي وَسَطِهِ إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَتُهُ» وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ﵁ " أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ " وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -؛ وَلِأَنَّ اشْتِمَالَ الْهِمْيَانِ وَالْمِنْطَقَةِ عَلَيْهِ كَاشْتِمَالِ الْإِزَارِ فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَظِلَّ الْمُحْرِمُ بِالْفُسْطَاطِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: " يُكْرَهُ " وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يُلْقِي عَلَى شَجَرَةٍ ثَوْبًا، أَوْ نِطْعًا فَيَسْتَظِلُّ بِهِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ ضُرِبَ لِعُثْمَانَ ﵁ فُسْطَاطٌ بِمِنًى فَكَانَ يَسْتَظِلُّ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِظْلَالَ بِمَا لَا يُمَاسُّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِظْلَالِ بِالسَّقْفِ، وَذَا غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ كَذَا هَذَا، فَإِنْ دَخَلَ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ حَتَّى غَطَّاهُ، فَإِنْ كَانَ السِّتْرُ يُصِيبُ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ سَتْرَ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ بِثَوْبٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَجَافِيًا فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ تَحْتَ ظُلَّةٍ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ تُغَطِّيَ الْمَرْأَةُ سَائِرَ جَسَدِهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ بِمَا شَاءَتْ مِنْ الثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنْ تَلْبَسَ الْخُفَّيْنِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا، أَمَّا سَتْرُ سَائِرِ بَدَنِهَا؛ فَلِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ؛ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِمَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ مُتَعَذَّرٌ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَأَمَّا كَشْفُ وَجْهِهَا فَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا حَاذَوْنَا أَسْدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا رَفَعْنَا» فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَطِّيَ وَجْهَهَا وَأَنَّهَا لَوْ أَسْدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا وَجَافَتْهُ عَنْهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا جَافَتْهُ عَنْ وَجْهِهَا صَارَ كَمَا لَوْ جَلَسَتْ فِي قُبَّةٍ، أَوْ اسْتَتَرَتْ بِفُسْطَاطٍ.
وَلَا بَأْسَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَتَتَحَلَّى بِأَيِّ حِلْيَةٍ شَاءَتْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵁ كَانَ يُلْبِسُ نِسَاءَهُ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ فِي الْإِحْرَامِ؛ وَلِأَنَّ لُبْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ بَابِ التَّزَيُّنِ وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ الزِّينَةِ، وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا فِيهِ مِنْ الصَّبْغِ مِنْ الطِّيبِ لَا مِنْ الزِّينَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي الطِّيبِ.
وَأَمَّا لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ ﵄.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَا يَجُوزُ " وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵁ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ " وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ "؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ فِي بَدَنِهَا السَّتْرُ فَيَجِبُ مُخَالَفَتُهَا بِالْكَشْفِ كَوَجْهِهَا
وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ كَانَ يُلْبِسُ بَنَاتِهِ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ الْقُفَّازَيْنِ وَلِأَنَّ لُبْسَ الْقُفَّازَيْنِ لَيْسَ إلَّا تَغْطِيَةَ يَدَيْهَا بِالْمَخِيطِ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُغَطِّيَهُمَا بِقَمِيصِهَا، وَإِنْ كَانَ مَخِيطًا فَكَذَا بِمِخْيَطٍ آخَرَ، بِخِلَافِ وَجْهِهَا.
وَقَوْلُهُ " وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ " نَهْيُ نَدْبٍ حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ بِفِعْلِ هَذَا الْمَحْظُورِ وَهُوَ: لُبْسُ الْمَخِيطِ فَالْوَاجِبُ بِهِ يَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: يَجِبُ الدَّمُ عَيْنًا، وَفِي بَعْضِهَا: تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَيْنًا، وَفِي بَعْضِهَا يَجِبُ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ غَيْرَ عَيْنِ الصِّيَامِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، أَوْ الدَّمِ، وَجِهَاتُ التَّعْيِينِ إلَى مَنْ عَلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ بِاللُّبْسِ يُوجِبُ فِدَاءً كَامِلًا فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الدَّمُ، لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ إنْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ فَعَلَهُ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَالِارْتِفَاقُ الْقَاصِرُ يُوجِبُ فِدَاءً قَاصِرًا وَهُوَ: الصَّدَقَةُ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ عَلَى قَدْرِ الْعِلَّةِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا لَبِسَ الْمَخِيطَ: مِنْ قَمِيصٍ، أَوْ جُبَّةٍ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ عِمَامَةٍ، أَوْ قَلَنْسُوَةٍ