للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ خُفَّيْنِ، أَوْ جَوْرَبَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ يَوْمًا كَامِلًا.

فَعَلَيْهِ الدَّمُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ لُبْسَ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمًا كَامِلًا ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ فَيُوجِبُ كَفَّارَةً كَامِلَةً وَهِيَ: الدَّمُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ لَبِسَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: إنْ لَبِسَ أَكْثَرَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ.

وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا دَمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْبَسَ يَوْمًا كَامِلًا، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا لَبِسَ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ، إنْ لَبِسَ نِصْفَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِ شَاةٍ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَلْقِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ لَبِسَ سَاعَةً وَاحِدَةً ".

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ اللُّبْسَ وَلَوْ سَاعَةً ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ لِوُجُودِ اشْتِمَالِ الْمَخِيطِ عَلَى بَدَنِهِ، فَيَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ.

وَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ: اعْتِبَارُ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِاللُّبْسِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ بِمَنْزِلَةِ الِارْتِفَاقِ فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْبَسُ أَكْثَرَ الْيَوْمِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَنْزِلِهِ قَبْلَ دُخُولِ اللَّيْلِ.

وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ: أَنَّ اللُّبْسَ أَقَلُّ مِنْ يَوْمِ ارْتِفَاقٍ نَاقِصٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ بِاللُّبْسِ فِي كُلِّ الْيَوْمِ، وَلِهَذَا اتَّخَذَ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ لِلنَّهَارِ لِبَاسًا وَلِلَّيْلِ لِبَاسًا، وَلَا يَنْزِعُونَ لِبَاسَ النَّهَارِ إلَّا فِي اللَّيْلِ فَكَانَ اللُّبْسُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ ارْتِفَاقًا قَاصِرًا، فَيُوجِبُ كَفَّارَةً قَاصِرَةً وَهِيَ الصَّدَقَةُ كَقَصِّ ظُفْرٍ وَاحِدٍ، وَمِقْدَارُ الصَّدَقَةِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُطْعِمُ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ.

وَكُلُّ صَدَقَةٍ تَجِبُ بِفِعْلِ مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ فَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ صَاعٍ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ.

وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا يَوْمًا إلَّا سَاعَةً فَعَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِمِقْدَارِ مَا لَبِسَ أَيْ: مِنْ قِيمَةِ الدَّمِ لِمَا قُلْنَا.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُقَدَّرَةَ لِلْمِسْكِينِ فِي الشَّرْعِ لَا تَنْقُصُ عَنْ نِصْفِ صَاعٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْفِطْرِ، وَالظِّهَارِ.

وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لَكِنَّهُ زَرَّهُ عَلَيْهِ أَوْ زَرَّ عَلَيْهِ طَيْلَسَانًا يَوْمًا كَامِلًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِوُجُودِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ، إذْ الْمُزَرَّرُ مَخِيطٌ.

وَكَذَا لَوْ غَطَّى رُبْعَ رَأْسِهِ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ.

وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ حَتَّى يُغَطِّيَ الْأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِهِ، وَلَا أَقُولُ: حَتَّى يُغَطِّيَ رَأْسَهُ كُلَّهُ.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ تَغْطِيَةَ الْأَقَلِّ لَيْسَ بِارْتِفَاقٍ كَامِلٍ، فَلَا يَجِبُ بِهِ جَزَاءٌ كَامِلٌ.

وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ رُبْعَ الرَّأْسِ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ فِي هَذَا الْبَابِ، كَحَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَعَلَى هَذَا إذَا غَطَّتْ الْمَرْأَةُ رُبْعَ وَجْهِهَا وَكَذَا لَوْ غَطَّى الرَّجُلُ رُبْعَ وَجْهِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ وَلَوْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ وَجْهِهِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّغْطِيَةِ.

وَلَوْ عَصَبَ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَغْطِيَةِ بَدَنِهِ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الشَّدَّ عَلَيْهِ يُشْبِهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ، هَذَا إذَا لَبِسَ الْمَخِيطَ يَوْمًا كَامِلًا حَالَةَ الِاخْتِيَارِ.

فَأَمَّا إذَا لَبِسَهُ لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيْ: الْكَفَّارَاتُ شَاءَ الصِّيَامَ، أَوْ الصَّدَقَةَ، أَوْ الدَّمَ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى فِي الرَّأْسِ ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَرَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ «قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: احْلِقْ وَاذْبَحْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ بِالتَّخْيِيرِ فِي الْحَلْقِ، لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ لِلضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ، وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا، وَالنَّصُّ الْوَارِدُ هُنَاكَ يَكُونُ وَارِدًا هَهُنَا دَلَالَةً.

وَقِيلَ: إنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لِلتَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ، وَالْجَانِي لَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ، وَيَجُوزُ فِي الطَّعَامِ التَّمْلِيكُ، وَالتَّمْكِينُ وَهُوَ: طَعَامُ الْإِبَاحَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ، وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَيَجُوزُ فِي الصِّيَامِ التَّتَابُعُ وَالتَّفَرُّقُ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الصَّوْمِ فِي النَّصِّ، وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا فِي الْحَرَمِ كَذَبْحِ الْمُتْعَةِ إلَّا إذَا ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرُ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ؛ فَيَجُوزُ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ عَنْ الطَّعَامِ " وَيَجُوزُ الصَّوْمُ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا بِالْإِجْمَاعِ.

وَكَذَا الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُجْزِيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>