أَيْضًا إضْمَارٌ فَوَقَعَتْ الْمُعَارَضَةُ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى مَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ التَّنَاقُضِ ثُمَّ إذَا زُوِّجَ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ فَلَهُمَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهُمَا وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرَائِطِ اللُّزُومِ وَأَمَّا شَرَائِطُ ثُبُوتِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ فَنَوْعَانِ فِي الْأَصْلِ: نَوْعٌ هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ، وَنَوْعٌ هُوَ شَرْطُ التَّقَدُّمِ أَمَّا.
شَرْطُ ثُبُوتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْوَلِيِّ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ.
أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْوَلِيِّ فَأَنْوَاعٌ.
مِنْهَا: عَقْلُ الْوَلِيِّ.
وَمِنْهَا بُلُوغُهُ فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي وِلَايَةِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَيْهِمَا فَلَأَنْ تَثْبُتَ عَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَرِثُ الْخُرُوجَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وَالْوِرَاثَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَكُلُّ مَنْ يَرِثُهُ يَلِي عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يَرِثُهُ لَا يَلِي عَلَيْهِ وَهَذَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَيَنْعَكِسُ عِنْدَ الْكُلِّ فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ فَنَقُولُ: لَا وِلَايَةَ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ كَيْفَ يَكُونُ مَالِكًا وَمَمْلُوكًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةُ نَظَرٍ وَمَصْلَحَةٍ وَمَصَالِحُ النِّكَاحِ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهَا إلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ وَالْمَمْلُوكُ لِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ فَلَا يَعْرِفُ كَوْنَ إنْكَاحِهِ مَصْلَحَةً - وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ - وَلَا وِلَايَةَ لِلْمُرْتَدِّ عَلَى أَحَدٍ لَا عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ أَحَدًا لَا مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا وَلَا مُرْتَدًّا مِثْلَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِ.
وَلَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا» وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ وِلَايَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾ [النساء: ١٤١] وَقَالَ ﷺ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ تُشْعِرُ بِإِذْلَالِ الْمُسْلِمِ مِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا صِينَتْ الْمُسْلِمَةُ عَنْ نِكَاحِ الْكَافِرِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُسْلِمًا وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ كَافِرًا فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ» إلَّا أَنَّ وَلَدَ الْمُرْتَدِّ إذَا كَانَ مُؤْمِنًا صَارَ مَخْصُوصًا عَنْ النَّصِّ.
وَأَمَّا إسْلَامُ الْوَلِيِّ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَلِي الْكَافِرُ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّفَقَةِ الْبَاعِثَةِ عَنْ تَحْصِيلِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلَا فِي الْوِرَاثَةِ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَرِثُ الْكَافِرَ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ.
وَقَالَ ﷿ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٣] وَكَذَا الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عِنْدَ أَصْحَابَنَا، وَلِلْفَاسِقِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ الصَّغِيرَيْنِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ وَلَيْسَ لِلْفَاسِقِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ» وَالْمُرْشِدُ بِمَعْنَى الرَّشِيدِ كَالْمُصْلِحِ بِمَعْنَى الصَّالِحِ وَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ وَالْفِسْقُ سَبَبُ الْإِهَانَةِ وَلِهَذَا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَتَهُ وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] وَقَوْلِهِ ﷺ «زَوِّجُوا بَنَاتِكُمْ الْأَكْفَاءَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَنَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْ آخِرِهِمْ عَامَّهُمْ وَخَاصَّهُمْ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَى يَوْمِنَا هَذَا يُزَوِّجُونَ بَنَاتَهمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ خُصُوصًا: الْأَعْرَابُ وَالْأَكْرَادُ وَالْأَتْرَاكُ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةُ نَظَرٍ وَالْفِسْقُ لَا يَقْدَحُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ النَّظَرِ وَلَا فِي الدَّاعِي إلَيْهِ وَهُوَ الشَّفَقَةُ وَكَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْوِرَاثَةِ فَلَا يَقْدَحُ فِي الْوِلَايَةِ كَالْعَدْلِ، وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ كَالْعَدْلِ، وَلِهَذَا قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَحَدِ نَوْعِيِّ الْوِلَايَةِ وَهُوَ وِلَايَةُ الْمِلْكِ حَتَّى يُزَوِّجَ أَمَتَهُ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّوْعِ الْآخَرِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَلَوْ ثَبَتَ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ: وَالْفَاسِقُ مُرْشِدٌ لِأَنَّهُ يُرْشِدُ غَيْرَهُ لِوُجُودِ آلَةِ الْإِرْشَادِ - وَهُوَ الْعَقْلُ - فَكَانَ هَذَا نَفْيُ