للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوِلَايَةِ لِلْمَجْنُونِ، وَبِهِ نَقُولُ: إنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَصْلُحُ وَلِيًّا وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ فَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَابَ فَقَدْ صَارَ عَدْلًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ -.

وَأَمَّا كَوْنُ الْمَوْلَى مِنْ الْعَصَبَاتِ فَهَلْ هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ أَمْ لَا؟ فَنَقُولُ: - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ إلَّا شَيْءٌ يُحْكَى عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ إذَا ثَبَتَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى حَالِ الصِّغَرِ بَلْ يَدُومُ وَيَبْقَى إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ، وَفِي هَذَا ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْبَالِغَةِ وَلِأَنَّهُ اسْتَبَدَّ أَوْ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ الْإِنْكَاحَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً لَا زَوْجَ لَهَا وَكَلِمَةُ " مِنْ " إنْ كَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ يَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِلْآبَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّجْنِيسِ يَكُونُ خِطَابًا لِجِنْسِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمُومُ الْخِطَابِ يَتَنَاوَلُ الْأَبَ وَالْجَدَّ، وَأَنْكَحَ الصِّدِّيقُ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَزَوَّجَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب، وَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمَا خَرَجَ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ مَرْدُودًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمَا: " إنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَقِيَ بَعْدَ الْبُلُوغِ " فَنَعَمْ.

وَلَكِنْ بِالْإِنْكَاحِ السَّابِقِ لَا بِإِنْكَاحٍ مُبْتَدَأٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْبَيْعِ - وَهُوَ الْمِلْكُ - يَبْقَى بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، وَلِلْأَبِ قَبْضُ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ بَالِغَةً وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ بِقَبْضِهِ أَمَّا الصَّغِيرَةُ: فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا.

وَأَمَّا الْبَالِغَةُ: فَلِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ بِنَفْسِهَا كَمَا تَسْتَحِي عَنْ التَّكَلُّمِ بِالنِّكَاحِ فَجُعِلَ سُكُوتُهَا رِضًا بِقَبْضِ الْأَبِ كَمَا جُعِلَ رِضًا بِالنِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا تَرْضَى بِقَبْضِ الْأَبِ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ مَهْرَهَا فَيَضُمُّ إلَيْهِ أَمْثَالَهُ فَيُجَهِّزُهَا بِهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَكَانَ مَأْذُونًا بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَتهَا دَلَالَةً، حَتَّى لَوْ نَهَتْهُ عَنْ الْقَبْضِ لَا يَتَمَلَّكُ الْقَبْضَ وَلَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ.

وَكَذَا الْجَدُّ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَتُهُ عَاقِلَةً وَهِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَبْضُ إلَيْهَا لَا إلَى الْأَبِ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ بِدَفْعِهِ إلَيْهَا وَلَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَبِ، وَمَا سِوَى الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْقَبْضِ سَوَاءً كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إلَّا إذَا كَانَ الْوَلِيَّ وَهُوَ الْوَصِيَّ فَلَهُ حَقُّ الْقَبْضِ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً كَمَا يَقْبِضُ سَائِرَ دُيُونِهَا، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ حَقُّ الْقَبْضِ إلَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً، وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا ضَمِنَ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ.

وَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي مُطَالَبَةِ زَوْجِهَا أَوْ وَلِيِّهَا لِوُجُودِ ثُبُوتِ سَبَبِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ الزَّوْجِ وَالضَّمَانُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْعَصَبَاتِ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ، وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي الْمِيرَاثِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْعَصَبَاتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهُ حَتَّى لَمْ يَتَوَارَثَا بِذَلِكَ النِّكَاحِ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْعَصَبَةِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ عُصُوبَةَ الْوَلِيِّ هَلْ هِيَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا شَرْطُ التَّقْدِيمِ؟ فَعِنْدَهُمَا هِيَ شَرْطُ ثُبُوتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةُ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا الْعَصَبَةُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ.

وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطُ التَّقَدُّمِ عَلَى قَرَابَةِ الرَّحِمِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عَصَبَةٌ لَا تَثْبُتُ لِغَيْرِ الْعَصَبَةِ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ عَصَبَةٍ فَلِغَيْرِ الْعَصَبَةِ مِنْ الْقَرَابَاتِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ نَحْوَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْخَالَةِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ مِمَّنْ يَرِثُ الْمُزَوَّجَ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ فَوَّضَ كُلَّ نِكَاحٍ إلَى كُلّ عَصَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ أَوْ بِالْجَمْعِ فَيَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>