بِالزِّيَادَةِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْضَى بِالنُّقْصَانِ؛ فَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ الْأَمْرُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عَلَى رِضَاهُمَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا يَكْسِبُ الْعَامَ أَوْ يَرِثُ فَهَذِهِ تَسْمِيَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَى الْجَهَالَةِ الْخَطَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْسِبُ وَقَدْ لَا يَكْسِبُ ثُمَّ الْجَهَالَةُ بِنَفْسِهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ، فَمَعَ الْخَطَرِ أَوْلَى.
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُكُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتَا، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَيَقْسِمُ الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ بَدَلًا عَنْ بُضْعَيْهِمَا، وَالْبَدَلُ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمُبْدَلِ، وَالْمُبْدَلُ هُوَ الْبُضْعُ فَيُقْسَمُ الْبَدَلُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ، وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا كَذَا هَذَا، فَإِنْ قَبِلَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَازَ النِّكَاحُ فِي الَّتِي قَبِلَتْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْكُمَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ أَصْلًا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: تَزَوَّجْتُكُمَا فَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَرْطًا لِقَبُولِ الْأُخْرَى، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، فَكَانَ إدْخَالُ الشَّرْطِ فِيهِ فَاسِدًا، وَالنِّكَاحُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ، وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ تُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهِمَا لِمَا قُلْنَا فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الَّتِي قَبِلَتْ فَلَهَا ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَالْبَاقِي يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَلْفِ الَّتِي يَصِحُّ نِكَاحُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعِنْدَهُمَا تُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا فَلَهَا ذَلِكَ، وَالْبَاقِي يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ مَهْرًا لَهُمَا جَمِيعًا، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلنِّكَاحِ حَقِيقَةً لِكَوْنِهَا قَابِلَةً لِلْمَقَاصِدِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ الْمُحَرَّمَةَ مِنْهُمَا لَا تُزَاحِمُ صَاحِبَتَهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِخُرُوجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِذَلِكَ شَرْعًا مَعَ قِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ حَقِيقَةً، فَيَجِبُ إظْهَارُ أَثَرِ الْمَحَلِّيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الِانْقِسَامِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ يُقَابِلُ مَا يُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ، وَهَذَا الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْمُحَرَّمَةِ لَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ لِخُرُوجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ شَرْعًا، وَالْمَوْجُودُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْمَهْرُ بِمُقَابَلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْأَتَانِ وَقَالَ: تَزَوَّجْتُكُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ دَخَلَ الزَّوْجُ بِاَلَّتِي فَسَدَ نِكَاحُهَا فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ فِي حَقِّهَا فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُجَاوِزُ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ التَّسْمِيَةَ فِي حَقِّهِمَا فِي حَقِّ الِانْقِسَامِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ عَلَى السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ أَنَّهَا تَصِحُّ أَوْ لَا تَصِحُّ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ السُّمْعَةَ فِي الْمَهْرِ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ بِأَنْ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ وَالْبَاطِنِ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَكِنَّهُمَا يُظْهِرَانِ فِي الْعَقْدِ أَلْفَيْنِ لِأَمْرٍ حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا: أَلْفٌ مِنْهُمَا سُمْعَةٌ، فَالْمَهْرُ مَا ذَكَرَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَذَلِكَ أَلْفَانِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَا يَكُونُ مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ وَالْأَلْفَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يَجْعَلَا الْأَلْفَ مِنْهُمَا سُمْعَةً صَحَّتْ تَسْمِيَةُ الْأَلْفَيْنِ وَإِنْ قَالَا الْأَلْفُ مِنْهُمَا سُمْعَةٌ، فَالْمَهْرُ مَا ذَكَرَاهُ فِي السِّرِّ وَهُوَ الْأَلْفُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ مَا أَظْهَرَاهُ وَهُوَ الْأَلْفَانِ.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُمْلَكُ بِهِ الْبُضْعُ، وَاَلَّذِي يُمْلَكُ بِهِ الْبُضْعُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ وَيَصِيرُ مَهْرًا وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَاضَعَةُ السَّابِقَةُ (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا لَمَّا قَالَا: الْأَلْفُ مِنْهُمَا سُمْعَةٌ فَقَدْ هَزَلَا بِذَلِكَ قَدْرَ الْأَلْفِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدَا بِهِ مَهْرًا، وَالْمَهْرُ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ فَفَسَدَتْ تَسْمِيَتُهُ قَدْرَ الْأَلْفِ وَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى أَلْفٍ، وَإِنْ كَانَتْ السُّمْعَةُ مِنْ جِنْسِ الْمُهْرِيَّاتِ تَوَاضَعَا وَاتَّفَقَا فِي السِّرِّ وَالْبَاطِنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَكِنَّهُمَا يُظْهِرَانِ فِي الْعَقْدِ مِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا: رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَالْمَهْرُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَا: رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَتَعَاقَدَا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ لَهَا مَهْرَ الْعَلَانِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمِائَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute