الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَتَجِبُ الْأَلْفُ كَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَهْرَ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَة (أَوْ) تَتَنَاوَلُ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ، وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ مَجْهُولٌ فَكَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَلِمَةَ (أَوْ) تَدْخُلُ بَيْنَ أَقَلِّ الْأَشْيَاءِ وَأَكْثَرِهَا فَتَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فَيُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا صِحَّةَ إلَّا بِتَعْيِينِ الْمُسَمَّى وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَدْوَن؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَرْفَعِ لِرِضَا الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَنَّ الزَّوْجَ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدْفَعَ أَيُّهُمَا شَاءَ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ تَأْخُذُ أَيُّهُمَا شَاءَتْ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَهَالَةَ يُمْكِنُ رَفْعُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَرْتَفِعُ بِاخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَقَلَّتْ الْجَهَالَةُ فَكَانَتْ كَجَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ، هَهُنَا لَا سَبِيلَ إلَى إزَالَةِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَ مَا يَخْتَارُهُ صَاحِبُهُ فَفَحُشَتْ الْجَهَالَةُ فَمَنَعَتْ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْمُسَمَّى فَوَجَبَ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ إيجَابَهُ أَوْلَى مِنْ الْإِيقَاعِ مَجَّانًا بِلَا عِوَضٍ أَصْلًا لِعَدَمِ رِضَا الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ بِذَلِكَ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ تَعَيُّنِ الْمُسَمَّى وَلَا تَعَيُّنَ مَعَ الشَّكِّ بِإِدْخَالِ كَلِمَةِ الشَّكِّ فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَاجِبَ الْمَصِيرِ إلَيْهِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ بَلَدِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُؤَبَّدَ الَّذِي لَا تَوْقِيتَ فِيهِ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لِمَا قُلْنَا: إنَّ الشُّرُوطَ لَوْ أَثَّرَتْ لَأَثَّرَتْ فِي الْمَهْرِ بِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، وَفَسَادُ التَّسْمِيَةِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْعَدَمِ ثُمَّ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ رَأْسًا لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ، فَفَسَادُهَا أَوْلَى.
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ وَقَعَ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَهَا مَا سَمَّى عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَ خِلَافَ مَا شَرَطَ لَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ الْأَصْلِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ وَقَالَ زُفَرُ: الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ، وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ مَسْأَلَةٍ مَشْهُورَةٍ فِي الْإِجَارَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ رَجُلٌ ثَوْبًا إلَى الْخَيَّاطِ فَيَقُولُ: إنْ خَيَّطْتَهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَيَّطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ (وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ يُخَالِفُ الْآخَرَ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَتَانِ، كَمَا إذَا قَالَ: لِلْخَيَّاطِ إنْ خَيَّطْتَهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَيَّطْتَهُ فَارِسِيًّا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَقَعَ صَحِيحًا بِالْإِجْمَاعِ وَمُوجِبُهُ رَدُّ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَقَعْ الْوَفَاءُ بِهِ فَكَانَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى صَحِيحَةً، فَلَوْ صَحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي لَكَانَ نَافِيًا مُوجَبَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَالتَّسْمِيَةُ الْأُولَى وَالتَّسْمِيَةُ بَعْدَ مَا صَحَّتْ لَا يَجُوزُ نَفْيُ مُوجَبِهَا فَبَطَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي ضَرُورَةً.
وَقَالَ: إنَّ مَا شَرَطَ الزَّوْجُ مِنْ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ وَعَدَ لَهَا فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِ يُنْظَرُ إنْ حَكَمَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِبَذْلِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ حَكَمَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ التَّزَوُّجُ عَلَى حُكْمِهَا فَإِنْ حَكَمَتْ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا، وَإِنْ حَكَمَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ التَّزَوُّج عَلَى حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ حَكَمَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ، وَإِنْ حَكَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الزَّوْجِ، وَإِنْ حَكَمَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالزَّوْجُ لَا يَرْضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute