للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي يَدِ الزَّوْجِ.

فَأَمَّا إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَخْلُو مِنْ الْأَقْسَامِ، الَّتِي وَصَفْنَاهَا، فَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ فَاحِشٌ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَالْأَرْشُ لَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، فَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَتْ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، فَيُمْنَعُ التَّنْصِيفُ كَالْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْأَرْشِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْجَانِيَ، وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ، وَعَوْدَ النِّصْفَ إلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِالطَّلَاقِ، وَتَوَقَّفَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، فَصَارَ فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا يَدَ لَهُ فِيهِ، فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَجْنَبِيِّ مَا وَصَفْنَا، وَإِنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَعَهَا عِنْدَ الْفَسْخِ كَحَقِّهِ مَعَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ.

وَلَوْ حَدَثَ نُقْصَانٌ فِي يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ نَاقِصًا أَوْ قِيمَتَهُ، فَكَذَا حَقُّ الزَّوْجِ مَعَهَا عِنْدَ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ، وَنِصْفَ الْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ يَبْقَى فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا، وَحَقُّ الْغَيْرِ فِي الْفَسْخِ مُسْتَقِرٌّ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبَضَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ، فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ عَبْدًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ: لِلزَّوْجِ أَنْ يُضَمِّنَهَا الْأَرْشَ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَهْرَ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا بِالْقَبْضِ، وَالْأَوْصَافِ، وَهِيَ الْأَتْبَاعُ، فَتُضَمَّنُ بِالْقَبْضِ، وَلَا تُضَمَّنُ بِالْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ زُفَرُ فِي النُّقْصَانِ الْحَادِثِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى.

(وَلَنَا) أَنَّ الْمَرْأَةَ جَنَتْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهَا، وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ غَيْرُ مَضْمُونَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ زُفَرُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا صَادَفَ مِلْكَ نَفْسِهَا، وَقَبْضُ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَدْ اسْتَقَرَّ، وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمَهْرِ، فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا إنْ شَاءَ؛ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا جِنَايَةَ الْمَهْرِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا كَجِنَايَةِ الْمَرْأَةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً أَيْضًا، فَلَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً أَيْضًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا.

فَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ، فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، لَا يَتَنَصَّفُ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَمْنَعُ التَّنْصِيفَ، وَإِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِ الْمَهْرِ أَخَذَ النِّصْفَ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

(وَأَمَّا) النَّوْعُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنًى، وَالْكُلُّ صُورَةً: فَهُوَ كُلُّ طَلَاقٍ تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ.

فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ الطَّلَاقِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ، وَاَلَّذِي تُسْتَحَبُّ فِيهِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْمُتْعَةِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ تُعْتَبَرُ الْمُتْعَةُ بِحَالِهِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ، فَالطَّلَاقُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَلَا فَرْضَ بَعْدَهُ أَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةً، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ، وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ، فَمَالِكٌ لَا يَرَى وُجُوبَ الْمُتْعَةِ أَصْلًا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ قَيَّدَ الْمُتْعَةَ بِالْمُتَّقِي، وَالْمُحْسِنِ بِقَوْلِهِ ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١] ، وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُحْسِنُ، وَالْمُتَّقِي، وَغَيْرُهُمَا، فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.

(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٦] ، وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ﷿ أَوْ تَفْرِضُوا أَيْ: وَلَمْ تَفْرِضُوا أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ، وَقَدْ فَرَضُوا لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَفْرِضُوا لَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ الْمَفْرُوضَ، وَقَدْ تَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ.

وَقَالَ: اللَّهُ ﷿ ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] : وَلَا كَفُورًا وقَوْله تَعَالَى ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة: ٢٣٦] (وَعَلَى) كَلِمَةُ إيجَابٍ، وقَوْله تَعَالَى ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] وَلَيْسَ فِي أَلْفَاظِ الْإِيجَابِ كَلِمَةٌ أَوْكَدُ مِنْ قَوْلِنَا حَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقِّيَّةَ تَقْتَضِي الثُّبُوتَ، وَعَلَى كَلِمَةُ إلْزَامٍ، وَإِثْبَاتٍ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِيَ التَّأْكِيدَ، وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ كَمَا يَلْزَمُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>