للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا، وَكَانَ قَضَاؤُهُمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ مَرَّةً وَاحِدَةً مُسْتَحَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ لِلْمَرْأَةِ بِالْعَقْدِ، وَفِي إلْزَامِ الْعَقْدِ عِنْدَ تَقَرُّرِ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ تَفْوِيتُ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَهَذَا ضَرَرٌ بِهَا، وَظُلْمٌ فِي حَقِّهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] .

وَقَالَ النَّبِيُّ : «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» ، فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَاقُضِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التَّسْرِيجَ بِإِحْسَانٍ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﷿: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْتِيفَاءَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا مَعَ كَوْنِهَا مَحْرُومَةَ الْحَظِّ مِنْ الزَّوْجِ لَيْسَ مِنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فِي شَيْءٍ، فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِنْ سَرَّحَ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْعَجْزُ عَنْ الْوُصُولِ يُوجِبُ عَيْبًا فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَأَكُّدِهِ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنْ يَخْتَصِمَا إلَى قَاضٍ لَا يَرَى تَأَكُّدَ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ، فَيُطَلِّقُهَا، وَيُعْطِيهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، فَيَتَمَكَّنُ فِي الْمَهْرِ عَيْبٌ، وَهُوَ عَدَمُ التَّأَكُّدِ بِيَقِينٍ، وَالْعَيْبُ فِي الْعِوَضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَقَالَةَ مِنْهَا لَمْ تَكُنْ دَعْوَى الْعُنَّةِ بَلْ كَانَتْ كِنَايَةً عَنْ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ دِقَّةُ الْقَضِيبِ، وَالِاعْتِبَارُ بِسَائِرِ الْعُيُوبُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ فَوَاتَ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ لِمَا نَذْكُرُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا يُوجِبُ ظَاهِرًا وَغَالِبًا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ يَتَقَرَّرُ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فِي مُدَّةِ السَّنَةِ ظَاهِرًا، فَيَفُوتُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ ظَاهِرًا، فَبَطَلَ الِاعْتِبَارُ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِذَا رَفَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَادَّعَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ، وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ هَلْ وَصَلَ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يَصِلْ؟ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ أَجَّلَهُ سَنَةً سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَإِنْ أَنْكَرَ، وَادَّعَى الْوُصُولَ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَةَ دَلِيلُ الْوُصُولِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمَانِعُ مِنْ الْوُصُولِ مِنْ جِهَتِهِ عَارِضٌ إذْ الْأَصْلُ هُوَ السَّلَامَةُ عَنْ الْعَيْبِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ، وَإِنْ قَالَتْ أَنَا بِكْرٌ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِي؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ بَابٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِي هَذَا الْبَابِ مَقْبُولَةٌ لِلضَّرُورَةِ، وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ حُرْمَةُ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] ، وَحَقُّ الرُّخْصَةِ يَصِيرُ مَقْضِيًّا بِالْوَاحِدَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا قُبِلَ قَوْلُ النِّسَاءِ فِيهِ بِانْفِرَادِهِنَّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَالثِّنْتَانِ أَوْثَقُ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِخَبَرِ الْعَدَدِ أَقْوَى، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا.

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ فِيهَا أَصْلٌ، وَقَدْ تَفُوتُ شَهَادَتُهُنَّ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا إمَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِظُهُورِ الْبَكَارَةِ أَجَّلَهُ الْقَاضِي حَوْلًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عُنَّتُهُ، وَالْعِنِّينُ يُؤَجَّلُ سَنَةً لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبُغْضِهِ إيَّاهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوُصُولِ، فَيُؤَجَّلُ حَتَّى لَوْ كَانَ عَدَمُ الْوُصُولِ لِلْبُغْضِ يَطَؤُهَا فِي الْمُدَّةِ ظَاهِرًا، وَغَالِبًا دَفْعًا لِلْعَارِ، وَالشَّيْنِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ يُعْلَمُ أَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ كَانَ لِلْعَجْزِ.

وَأَمَّا التَّأْجِيلُ سَنَةً؛ فَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِلْقَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ أَوْ طَبِيعَةٍ غَالِبَةٍ مِنْ الْحَرَارَةِ أَوْ الْبُرُودَةِ أَوْ الرُّطُوبَةِ أَوْ الْيُبُوسَةِ، وَالسَّنَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ، فَيُؤَجَّلُ سَنَةً لِمَا عَسَى أَنْ يُوَافِقَهُ بَعْضُ فُصُولِ السَّنَةِ، فَيَزُولَ الْمَانِعُ، وَيَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ قَالَ: يُؤَجَّلُ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَجَّلُوا الْعِنِّينَ سَنَةً، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ أَوْ تَابِعِيٌّ، فَلَا يَقْدَحُ خِلَافُهُ فِي الْإِجْمَاعِ مَعَ الِاحْتِمَالِ؛ وَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ سَنَةً لِرَجَاءِ الْوُصُولِ فِي الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا تَكْمُلُ الْفُصُولُ إلَّا فِي سَنَةٍ تَامَّةٍ، ثُمَّ يُؤَجَّلُ سَنَةً شَمْسِيَّةً بِالْأَيَّامِ أَوْ قَمَرِيَّةً بِالْأَهِلَّةِ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُؤَجَّلُ سَنَةً قَمَرِيَّةً بِالْأَهِلَّةِ قَالَ: وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً شَمْسِيَّةً، وَحَكَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا يُؤَجَّلُ سَنَةً شَمْسِيَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ (وَجْهُ) هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفُصُولَ الْأَرْبَعَةَ لَا تَكْمُلُ إلَّا بِالسَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>