بِأَيَّامٍ، فَيُحْتَمَلُ زَوَالُ الْعَارِضِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ، وَالْقَمَرِيَّةِ، فَكَانَ التَّأْجِيلُ بِالسَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ أَوْلَى، وَلِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] جَعَلَ اللَّهُ ﷿ بِفَضْلِهِ، وَرَحْمَتِهِ الْهِلَالَ مُعَرِّفًا لِلْخَلْقِ الْأَجَلَ وَالْأَوْقَاتَ وَالْمُدَدَ وَمُعَرِّفًا وَقْتَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ لَاشْتَدَّ حِسَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةُ السِّنِينَ وَالشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ فِي الْمَوْسِمِ.
وَقَالَ: ﷺ فِي خُطْبَتِهِ «أَلَا إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ» ، وَالشَّهْرُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْهِلَالِ يُقَالُ رَأَيْتُ الشَّهْرَ أَيْ: رَأَيْتُ الْهِلَالَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ، وَالشُّهْرَةُ لِلْهِلَالِ، فَكَانَ تَأْجِيلُ الصَّحَابَةِ ﵃ الْعِنِّينَ سَنَةً، وَالسَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَالشَّهْرُ اسْمٌ لِلْهِلَالِ تَأْجِيلًا لِلْهِلَالِيَّةِ، وَهِيَ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ ضَرُورَةً، وَأَوَّلُ السَّنَةِ حِينَ يَتَرَافَعَانِ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الزَّوْجِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ﵁ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجِّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يَرْتَفِعُ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَجْزِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَرَاهَتِهِ إيَّاهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوُصُولِ، فَإِذَا أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ وَطْئِهَا إلَّا لِعَجْزِهِ خَشْيَةَ الْعَارِ وَالشَّيْنِ فَإِذَا أُجِّلَ سَنَةً، فَشَهْرُ رَمَضَانَ وَأَيَّامُ الْحَيْضِ تُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْعَلُ لَهُ مَكَانُهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ أَجَّلُوا الْعِنِّينَ سَنَةً وَاحِدَةً مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمِنْ زَمَانِ الْحَيْضِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَحْسُوبًا مِنْ الْمُدَّةِ؛ لَأَجَّلُوا زِيَادَةً عَلَى السَّنَةِ.
وَلَوْ مَرِضَ الزَّوْجُ فِي الْمُدَّةِ مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْجِمَاعَ أَوْ مَرِضَتْ هِيَ، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ الْمَرَضُ السَّنَةَ كُلَّهَا يُسْتَأْنَفُ لَهُ سَنَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرَضَ إنْ كَانَ نِصْفَ شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ، وَجُعِلَ لَهُ مَكَانَهَا، وَكَذَلِكَ الْغَيْبَةُ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ إذَا صَحَّ فِي السَّنَةِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ صَحَّتْ هِيَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ بِالسَّنَةِ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرَضَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَهْرًا فَصَاعِدًا لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِأَيَّامِ الْمَرَضِ، وَيُجْعَلُ لَهُ مَكَانُهَا، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ قَلِيلَ الْمَرَضِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ عَادَةً، وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْكَثِيرِ، فَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ نِصْفَ الشَّهْرِ، وَمَا دُونَهُ قَلِيلًا، وَالْأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ كَثِيرًا اسْتِدْلَالًا بِشَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فِي اللَّيَالِي دُونَ النَّهَارِ، وَاللَّيَالِي دُونَ النَّهَارِ تَكُونُ نِصْفَ شَهْرٍ وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ إذَا كَانَ نِصْفَ شَهْرٍ، فَمَا دُونَهُ يُعْتَدُّ بِهِ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِالنِّصْفِ، فَمَا دُونَهُ إمَّا لَا يَنْفِي الِاعْتِدَادَ بِمَا فَوْقَهُ، وَإِمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَنَقُولُ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ زَمَانًا يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَطَأْهَا، فَالتَّقْصِيرُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ صَحَّ جَمِيعَ السَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَرِضَ جَمِيعَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ زَمَانًا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهِ، فَتَعَذَّرَ الِاعْتِدَادُ بِالسَّنَةِ فِي حَقِّهِ، وَمُحَمَّدٌ جَعَلَ مَا دُونَ الشَّهْرِ قَلِيلًا، وَالشَّهْرَ فَصَاعِدًا كَثِيرًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ أَدْنَى الْآجِلِ، وَأَقْصَى الْعَاجِلِ، فَكَانَ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ، وَمَا دُونَهُ فِي حُكْمِ الْقَلِيلِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ شَرْعًا، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْوَطْءِ فِيهَا شَرْعًا، وَإِنْ حَجَّ الزَّوْجُ اُحْتُسِبَتْ الْمُدَّةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَ نَفْسِهِ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ خَاصَمَتْهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ يُؤَجَّلُ سَنَةً بَعْدَ الْإِحْلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا مَعَ الْإِحْرَامِ، فَتُبْتَدَأُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِيهِ شَرْعًا، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِحْلَالِ، وَإِنْ خَاصَمَتْهُ، وَهُوَ مُظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ أُجِّلَ سَنَةً مِنْ حِينِ الْخُصُومَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِعْتَاقِ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوَطْءِ بِتَقْدِيمِ الْإِعْتَاقِ كَالْمُحْدِثِ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أُجِّلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِيهِمَا، فَلَا يُعْتَدُّ بِهِمَا مِنْ الْأَجَلِ، ثُمَّ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بَعْدَهُمَا، فَإِنْ أُجِّلَ سَنَةً، وَلَيْسَ بِمُظَاهِرٍ، ثُمَّ ظَاهَرَ فِي السَّنَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُدَّةِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الظِّهَارِ، فَلَمَّا ظَاهَرَ، فَقَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute