أَهْلِ الْبَغْيِ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، فَيُخَالِطُونَ أَهْلَ الْعَدْلِ، فَكَانَ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ ثَابِتًا، فَيَبْقَى النِّكَاحُ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مَعَ مَا أَنَّ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا لَمْ يَكُنْ، فَكَانَ رَاوِي الرَّدِّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ اسْتَصْحَبَ الْحَالَ، فَظَنَّ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ النِّكَاحِ الَّذِي كَانَ، وَرَاوِي النِّكَاحِ الْجَدِيدِ اعْتَمَدَ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَصَارَ كَاحْتِمَالِ الْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ؛ فَلَا عِدَّةَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ؛ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا؛ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مُسْلِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ لِقَضَاءِ بَعْضِ حَاجَاتِهِ لَا لِلتَّوَطُّنِ، فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِالدُّخُولِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.
وَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ صَارَا ذِمِّيَّيْنِ مَعًا أَوْ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ، فَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ لِانْعِدَامِ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ عِنْدَنَا، وَانْعِدَامِ السَّبْيِ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا سُبِيَ أَحَدُهُمَا، وَأُحْرِزَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ عِنْدَنَا بِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، وَعِنْدَهُ بِالسَّبْيِ، وَعِنْدَنَا لَا تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، وَعِنْدَهُ تَقَعُ لِوُجُودِ السَّبْيِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] حَرَّمَ الْمُحْصَنَاتِ، وَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ إذْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ﷿ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] ، وَاسْتَثْنَى الْمَمْلُوكَاتِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَظْرِ إبَاحَةٌ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا سُبِيَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ زَوْجِهَا؛ وَلِأَنَّ السَّبْيَ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لِلسَّابِي؛ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ، وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمَسْبِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ يُوجِبُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ، وَمَتَى ثَبَتَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلسَّابِي؛ يَزُولُ مِلْكُ الزَّوْجِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً هِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ فِي الْأَمَةِ مِلْكٌ مَعْصُومٌ، وَإِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ.
(وَلَنَا) أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لِلزَّوْجِ كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلِهِ مُطْلَقًا، وَمِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزُولَ إلَّا بِإِزَالَتِهِ أَوْ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ إمَّا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً بِالْهَلَاكِ أَوْ تَقْدِيرًا لِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ، وَإِمَّا لِفَوَاتِ حَاجَةِ الْمَالِكِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالزَّوَالِ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَنَاقُضًا، وَالشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْ التَّنَاقُضِ، وَلَمْ تُوجَدْ الْإِزَالَةُ مِنْ الزَّوْجِ، وَالْمَحَلُّ صَالِحٌ، وَالْمَالِكُ صَالِحٌ حَيٌّ مُحْتَاجٌ إلَى الْمِلْكِ، وَإِمْكَانُ الِاسْتِمْتَاعِ ثَابِتٌ ظَاهِرًا، وَغَالِبًا إذَا سُبِيَا مَعًا، وَلَا يَكُونُ نَادِرًا.
وَكَذَا إذَا سُبِيَ أَحَدُهُمَا، وَالْمَسْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْكَفَرَةِ أَوْ اسْتِنْقَاذِ الْأُسَرَاءِ مِنْ الْغُزَاةِ لَيْسَ بِنَادِرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا سُبِيَ أَحَدُهُمَا، وَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَاءِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الْمَصَالِحِ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ السَّبْيُ وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ، فَنَعَمْ لَكِنَّ الِاسْتِيلَاءَ الْوَارِدَ عَلَى مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ، وَمِلْكُ الزَّوْجِ هَهُنَا قَائِمٌ لِمَا بَيَّنَّا، فَلَمْ يَكُنْ السَّبْيُ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلسَّابِي، فَلَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الزَّوْجِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا سُبِيَتْ، وَحْدَهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ.
وَمِنْهَا الْمِلْكُ الطَّارِئُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِأَنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ أَوْ مَلَكَ شِقْصًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُقَارَنَ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ النِّكَاحِ، فَالطَّارِئُ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ، وَالْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بِهِ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِسَبَبٍ لَا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا، فَتُجْعَلُ فَسْخًا، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِطَرِيقِ التَّنَافِي لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الْحُقُوقَ الثَّابِتَةَ بِالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ، فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ كَالْفُرْقَةِ الْحَاصِلَةِ بِرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الْقِنِّ، وَالْمُدَبَّرِ وَالْمَأْذُونِ إذَا اشْتَرَيَا زَوْجَتَيْهِمَا لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يُفِيدُ لَهُمَا مِلْكَ الْمُتْعَةِ، فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ.
وَقَالُوا أَيْضًا فِي الْمُكَاتَبِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ، وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ