للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَخَلْتِ الدَّارَ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ لِأَنَّ لَا حَرْفُ نَفْيٍ أَكَّدَهُ بِالْحَلِفِ فَكَأَنَّهُ نَفَى دُخُولَهَا وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِهَا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَخَلْت لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ دُخُولِهَا الدَّارَ كَأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ عِلَّةً لَكِنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ الْعِلَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بَعْلَةٍ لَمْ تُوجَدْ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمْ تَصِحَّ وَبَقَّى الْإِيقَاعُ صَحِيحًا، وَرَوَى ابْنَ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ لِمَا يُذْكَرُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أُخْرَى لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً السَّاعَةَ وَعَطَفَ الشَّرْطَ عَلَيْهَا بِلَا جَزَاءٍ فَيُضَمَّنُ فِيهِ الْجَزَاءُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ الدُّخُولِ أُخْرَى.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِدُخُولِكِ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ ثُمَّ جَعَلَ الدُّخُولَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهِ عِلَّةً لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَمَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لِعِلَّةٍ وَقَعَ، وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِحَيْضَتِكِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قَالَ بِحَيْضَتِكِ أَوْ فِي حَيْضَتِكِ أَوْ بِدُخُولِكِ الدَّارَ أَوْ لِدُخُولِكِ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَدْخُلَ لِأَنَّ الْبَاءَ حَرْفُ إلْصَاقٍ فَيَقْتَضِي إلْصَاقَ الطَّلَاقِ بِالْحَيْضَةِ وَالدُّخُولِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا، وَفِي كَلِمَةِ ظَرْفٍ دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَتُجْعَلُ شَرْطًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ حِينَ تَكَلُّمِهِ بِهِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ قُدِّمَ الشَّرْطَ أَوْ إمَّا إنْ أُخِّرَ، فَإِنْ قُدِّمَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ أُخِّرَ الشَّرْطُ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَإِنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ حَرْفُ الْفَاءِ وَكَانَ تَنْجِيزًا لَا تَعْلِيقًا وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ لِأَنَّهُ عَنَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ نَحْوُ إضْمَارِ حَرْفِ الْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ.

قَالَ الشَّاعِرُ

مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا … وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ

أَيْ فَاَللَّهُ يَشْكُرُهَا وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ وَوَجْهُهُ أَنْ يُحْذَفَ حَرْفُ الْجَزَاءِ تَصْحِيحًا لِلشَّرْطِ إذْ لَوْ لَمْ يُحْذَفْ لَلَغَا، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ لِلْحَالِ لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَالْوَاوُ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلتَّعْلِيقِ وَلَوْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَلَوْ أَدْرَجَ فِيهِ الْفَاءَ يَصِيرُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ أَنْتِ دَخَلْت الدَّارَ فَوَأَنْتَ طَالِقٌ وَهَذَا لَغْوٌ وَلَوْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَالْوَاوُ لَا يُبْتَدَأُ بِهَا، وَمَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْوَاوَ قَدْ تَكُونُ لِلِاسْتِئْنَافِ فَمُرَادُهُمْ أَنْ يُبْتَدَأَ كَلَامٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ جُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تُشَارِكُ الْأُولَى،.

فَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ شَيْءٌ بِالْوَاوِ فَغَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا جَائِزٍ، وَإِنْ قَالَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ التَّعْلِيقِ وَحَرْفِهِ، عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِ هَذَا تُذْكَرُ لِلتَّحْقِيقِ كَمَا يُقَالُ لَا تُسَافِرَنَّ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا وَلَوْ نَوَى التَّعْلِيقَ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّهُ نَوَى إضْمَارَ حَرْفِ الْفَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَلْغُو الْوَاوُ هَذَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ.

فَأَمَّا إذَا أَخَّرَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ لِأَنَّهُ عَقَّبَ الْإِيجَابَ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ إيجَابًا إلَى كَوْنِهِ يَمِينًا فَلَا حَاجَةَ فِي مِثْلِ هَذَا إلَى حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّأْكِيدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زِنَا وَإِنْ سَرَقَ» وَلَوْ قَالَ: عَنَيْتُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>