وُجُودِ الِاتِّصَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالتَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ ظَرْفٌ فِي وُجُودِ الِاتِّصَافِ فَصَارَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ بِوَاسِطَةِ الِاتِّصَافِ شَبِيهَ الشَّرْطِ لَا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا ثُمَّ فِي كَلِمَةِ " كُلُّ " إذَا دَخَلْت مَرَّةً فَطَلُقَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ ثَانِيًا لَمْ تَطْلُقْ، وَفِي كَلِمَةِ " كُلَّمَا " تَطْلُقُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَدْخُلُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ " كُلُّ " كَلِمَةُ عُمُومٍ وَإِحَاطَةٍ لِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دَخَلَتْ فِي الْعَيْنِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ لَا فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الدُّخُولُ، فَإِذَا دَخَلَتْ مَرَّةً فَقَدْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ثَانِيًا وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْكَلِمَةُ عَلَى فِعْلِ الدُّخُولِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا تَرْجِعُ مَعَ مَا بَعْدَهَا مِنْ الْفِعْلِ مَصْدَرًا لُغَةً، يُقَالُ: بَلَغَنِي مَا قُلْت وَأَعْجَبَنِي مَا صَنَعْت أَيْ قَوْلُك وَصُنْعُك فَصَارَتْ الْكَلِمَةُ دَاخِلَةً عَلَى الْمَصْدَرِ لَا عَلَى مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ فَيَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْمَصْدَرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] يَتَجَدَّدُ التَّبَدُّلُ عِنْدَ تَجَدُّدِ النُّضْجِ وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ مُتَّحِدًا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ دُخُولٍ وَقَدْ وُجِدَ الدُّخُولُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا فَلَوْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَلَوْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى التَّزَوُّجِ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا بِكُلِّ تَزَوُّجٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْمِلْكِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْمِلْكِ يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَ يَمِينًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَإِذَا دَخَلْت لِأَنَّ كَلِمَةَ لَوْ تُذْكَرُ لِتَوَقُّفِ الْمَذْكُورِ عَلَى وُجُودِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] .
وَقَالَ ﷿ ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨] فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ الْجَزَاءِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا حَقِيقَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، لَوْ حَسُنَ خُلُقُكِ سَوْفَ أُرَاجِعُكِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ لِأَنَّ " لَوْ " مَا دَخَلَتْ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى تَرَقُّبِ الرَّجْعَةِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ حَسُنَ خُلُقُكِ رَاجَعْتُكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، لَوْ قَدِمَ أَبُوكِ رَاجَعْتُكِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ رَاجَعْتُكِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ بَلْ هُوَ عِدَةٌ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ لَطَلَّقْتُك لَمْ تَطْلُقْ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا بِلَا فَصْلٍ لِأَنَّ هَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَطَلَّقَهَا إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَهِيَ طَالِقٌ كَأَنَّهُ قَالَ لِأُطَلِّقَنَّكِ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَلَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ لِلْحَالِ وَإِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَاتَتْ أَوْ مَاتَ طَلُقَتْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبِرِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا كَذَا هَذَا، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ عَبْدِي حُرٌّ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَأَضْرِبَنَّكِ إذْ مَعْنَاهُ لَأَضْرِبَنَّكِ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلْتِ وَلَمْ أَضْرِبْكِ فَعَبْدِي حُرٌّ - وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ - وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا مَهْرُكِ عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا شَرَفُكِ فَهَذَا كُلُّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ كَالِاسْتِثْنَاءِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣] الْآيَةَ.
وَقَالَ ﷾ ﴿وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ [هود: ٩١] وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَوْلَا الْمَطَرُ لَجِئْتُكَ فَصَارَ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ لَطَلَّقْتُكِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ قَدْ طَلَّقْتُكِ أَمْسُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ " قَدْ " لَقَدْ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْس لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَيْ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَمْس لَطَلَّقْتُكِ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَهَذَا يُخْبِرُ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَكُنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ طَلُقَتْ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ الْمَاضِي أَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا طَلُقَتْ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute