للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ، وَفِي الثَّانِي لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ بِالْفَاءِ آخِرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ الْأُولَى ثُمَّ دَخَلَتْ الْأُولَى لَا يَحْنَثُ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ وَالْفَاءَ تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ فَيَسْتَدْعِي تَأَخُّرَ الْفِعْلِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا زِيَادَةَ تَفْصِيلٍ فَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَدَخَلَتْ دَارَ فُلَانٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ الثَّانِيَةَ لَمْ تَطْلُقْ كَأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ دَارِ فُلَانٍ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ حَالِفًا حِينَ دَخَلَتْ الدَّارَ الْأُولَى وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَصِيرُ حَالِفًا بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ لِمَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ هَذِهِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فَقَالَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ إذَا غَشِيت هَذِهِ فَإِذَا غَشِيت هَذِهِ الْأُخْرَى فَعَبْدِي حُرٌّ فَلَيْسَ الْحَلِفُ عَلَى الْأُولَى إنَّمَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الثَّانِيَةِ إذَا غَشِيَ الْأُولَى وَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ الثَّانِيَةِ إذَا غَشِيَ الْأُولَى، وَالْفَاءُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا تُشْبِهُ الْوَاوَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ غِشْيَانَ الْأُولَى شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي الثَّانِيَةِ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قَالَا: أَيَّ الدَّارَيْنِ دَخَلَتْ طَلُقَتْ وَسَقَطَتْ الْيَمِينُ وَلَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ حَرْفَ الشَّرْطِ مَعَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَكُنْ عَطْفًا عَلَى الْأُولَى فِي الشَّرْط بَلْ صَارَ ذَلِكَ يَمِينًا أُخْرَى أُضْمِرَ فِيهَا الْجَزَاءُ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ نَزَلَ الْجَزَاءُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِأَنَّ جَزَاءَ الثَّانِي لَمْ يَبْقَ وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْجَزَاءِ فَقَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ.

وَقَالَ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَيَّ الدَّارَيْنِ دَخَلَتْ طَلُقَتْ كَمَا فِي الْأُولَى.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا عَطَفَ الشَّرْطَ عَلَى الشَّرْطِ قَبْلَ الْجَزَاءِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّهُ لَا جَزَاءَ لَهُ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ يَكُونُ شَرْطًا عَلَى حِدَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ جَزَاءٌ فَكَانَ جَزَاءُ الْأَوَّلِ جَزَاءَ الثَّانِي فَأَيُّهُمَا وُجِدَ نَزَلَ الْجَزَاءُ وَتَبْطُلُ الْيَمِينُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا جَزَاءٌ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هُنَاكَ الْيَمِينَ قَدْ تَمَّتْ بِذِكْرِ الْجَزَاءِ فَلَمَّا أَعَادَ حَرْفَ الشَّرْطِ مَعَ الْفِعْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ عَلَى الْجَزَاءِ وَتَأْخِيرَهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْيَمِينِ سَوَاءٌ، وَلَوْ قَدَّمَهُ كَانَ الْجَوَابُ هَكَذَا فَكَذَا إذَا أَخَّرَ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ، وَلَوْ كَرَّرَ الشَّرْطَ وَعُلِّقَ بِهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كُرِّرَ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَالْيَمِينُ انْعَقَدَتْ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَغْوٌ، وَكَذَلِكَ إذَا مَتَى وَإِنْ إذَا وَإِنْ مَتَى، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَأَ بِإِذَا وَأَخَّرَ إنْ، أَوْ قَالَ إذَا ثُمَّ قَالَ مَتَى، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ إلَّا بِانْضِمَامِ الْجَزَاءِ إلَيْهِ وَقَدْ ضُمَّ الْجَزَاءُ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَوْصُولٌ بِهِ حَقِيقَةً فَيُقْطَعُ عَنْ الْأَوَّلِ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ جَزَاءٍ فَلَغَا، وَإِنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُكِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَالْكَلَامُ الثَّانِي لَغْوٌ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ فَبَقِيَ شَرْطًا لَا جَزَاءَ لَهُ فَلَغَا وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك فَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِالْكَلَامِ الْآخَرِ وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ لَغْوٌ، لِأَنَّ إنْ شَرْطٌ مَحْضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الشَّرْطِ وَإِذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَقْتِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا فَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ أَوْلَى.

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِدَارٍ وَاحِدَةٍ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا دَخْلَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ دَخْلَتَيْنِ وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَجْعَلُهُ حَانِثًا بِالدَّخْلَةِ الْأُولَى.

(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ تَكْرَارَ الشَّرْطِ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعَطْفَ إلَّا أَنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ الْعَطْفِ فَصَارَ الشَّرْطُ دُخُولَهَا مَرَّتَيْنِ.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّكْرَارَ يُجْعَلُ رَدًّا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ الْمَنْعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ أَصْلِ الدُّخُولِ دُونَ التَّكْرَارِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ دَخْلَتَيْنِ فَيَكُونُ عَلَى مَا عَنَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>