للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضَافُ إلَى سَاكِنِهِ وَلَا يُضَافُ إلَى مَالِكِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَا يُعْرَفُ بِسُكْنَى حَانُوتٍ يَحْنَثُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إضَافَةَ الْمِلْكِ لَا إضَافَةَ السُّكْنَى كَمَا يُقَال حَانُوتُ الْأَمِيرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْكُنُهَا الْأَمِيرُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ آخَرَ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ فِيهَا سَاكِنًا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا لَا يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهِ بِالسُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ نِصْفَهَا أَوْلَى وَإِذَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ الْمِلْكِ وَالْكُلُّ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَزْرَعُ أَرْضًا لِفُلَانٍ فَزَرَعَ أَرْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ يُسَمَّى أَرْضًا وَبَعْضَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَ دَارِهِ وَفُلَانٌ فِيهَا سَاكِنٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً وَلَا يُبَاتُ فِي صَحْنِ الدَّارِ عَادَةً فَإِنْ نَوَاهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ تَشَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِثْلَ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الدُّورِ الْمَشْهُورَةِ بِأَرْبَابِهَا فَدَخَلَ الرَّجُلُ وَقَدْ كَانَ بَاعَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ تُنْسَبُ قَبْلَ الْيَمِينِ إلَيْهِ ثُمَّ دَخَلَهَا الْحَالِفُ بَعْدَ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّ الدُّورَ الْمَشْهُورَةَ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَرْبَابِهَا عَلَى طَرِيقِ النِّسْبَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْمِلْكِ وَزَوَالُ الْمِلْكَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ عَلَى دَارٍ مِنْ هَذِهِ الدُّورِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا نِسْبَةٌ تُعْرَفُ بِهَا لَمْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ الْمِلْكُ لَا النِّسْبَةُ فَإِذَا زَالَ الْمِلْكُ زَالَتْ الْإِضَافَةُ.

وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الْحُجْرَةَ فَكُسِرَتْ الْحُجْرَةُ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا كُسِرَتْ لَا يَحْنَثُ وَلَيْسَتْ الْحُجْرَةُ كَالدَّارِ لِأَنَّ الْحُجْرَةَ اسْمٌ لِمَا حُجِرَ بِالْبِنَاءِ فَكَانَ كَالْبَيْتِ فَإِذَا انْهَدَمَتْ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ.

وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَصَعَدَ السَّطْحَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ سَطْحَ الدَّارِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَذْكُرُونَ الدَّارَ وَيُرِيدُونَ بِهِ الصَّحْنَ دُونَ غَيْرِهِ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَصَعَدَ فَوْقَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَلَا تَرَى لَوْ انْتَقَلَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهِ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ؟ فَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْمَسْجِدِ مَسْكَنٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ وَلَوْ انْتَقَلَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا مُجْتَازًا قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْجُلُوسَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ دُخُولٍ وَاسْتَثْنَى دُخُولًا بِصِفَةٍ وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاجْتِيَازُ وَقَدْ دَخَلَ عَلَى الصِّفَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فَإِنْ دَخَلَ يَعُودُ مَرِيضًا وَمِنْ رَأْيِهِ الْجُلُوسُ عِنْدَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ لَا عَلَى الصِّفَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ، فَإِنْ دَخَلَ لَا يُرِيدُ الْجُلُوسَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ فَجَلَسَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ حِينَ دُخُولِهِ لِوُجُودِهِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُسْتَثْنَى وَلَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ بَعْدَ ذَلِكَ إذْ الْمُكْثُ لَيْسَ بِدُخُولٍ فَلَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ فَدَخَلَهَا لِيَقْعُدَ فِيهَا أَوْ لِيَعُودَ مَرِيضًا فِيهَا أَوْ لِيَطْعَمَ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَلَكِنْ إنْ دَخَلَهَا مُجْتَازًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَعَدَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ عَابِرَ السَّبِيلِ هُوَ الْمُجْتَازُ فَإِذَا دَخَلَهَا لِغَيْرِ اجْتِيَازٍ حَنِثَ قَالَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لَا يَدْخُلُهَا يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهَا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ دَخَلْت عَابِرَ سَبِيلٍ بِمَعْنَى أَنِّي لَمْ أَدُمْ عَلَى الدُّخُولِ وَلَمْ أَسْتَتِرْ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ هَذِهِ الدَّارَ بِقَدَمِهِ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الدُّخُولَ فِي الْعُرْفِ لَا مُبَاشَرَةَ قَدَمِهِ الْأَرْضَ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رِجْلِهِ حِذَاءُ نَعْلٍ يَحْنَثُ؟ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الدُّخُولُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا حَنِثَ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ عِبَارَةً عَنْ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ لَا يَضَعَ قَدَمَهُ مَاشِيًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَهَا مَاشِيًا وَعَلَيْهِ حِذَاءٌ أَوْ لَا حِذَاءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا.

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ حَانُوتًا مُشَرَّعًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى الطَّرِيقِ وَلَيْسَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَحَاطَتْ بِهِ الدَّائِرَةُ.

قَالَ هِشَامٌ: وَسَأَلْت أَبَا يُوسُفَ إنْ دَخَلَ بُسْتَانًا فِي تِلْكَ الدَّارِ قَالَ لَا يَحْنَثْ وَهَذَا مَحْمُولُ عَلَى بُسْتَانٍ مُتَّصِلٍ بِالدَّارِ فَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الدَّارِ يَحْنَثْ لِإِحَاطَةِ الدَّائِرَةِ بِهِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ.

وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَحَفَرَ سَرَبًا فَبَلَغَ دَارِهِ وَحَفَرَ تَحْتَ دَارِ فُلَانٍ حَتَّى جَاوَزَهَا فَدَخَلَ الْحَالِفُ ذَلِكَ السَّرَبَ حَتَّى مَضَى فِيهِ تَحْتَ دَارِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>