وَزَوَالُ الِاسْمِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَفَتَقَهُ وَغَسَلَهُ ثُمَّ حَشَاهُ بِحَشْوٍ وَخَاطَهُ وَنَامَ عَلَيْهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فَتْقَ الْفِرَاشِ لَا يُزِيلُ الِاسْمَ عَنْهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شُقَّةَ خَزٍّ بِعَيْنِهَا فَنَقَضَهَا وَغُزِلَتْ وَجُعِلَتْ شُقَّةً أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا إذَا نُقِضَتْ صَارَتْ خُيُوطًا وَزَالَ الِاسْمُ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ فَقَطَعَهُ جُبَّةً مَحْشُوَّةً فَلَبِسَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ فَزَالَتْ الْيَمِينُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ فِي هَذَا الْمُصْحَفِ فَخَلَعَهُ ثُمَّ لَفَّ وَرَقَهُ وَغَرَزَ دَفَّتَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ فِيهِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُصْحَفِ بَاقٍ وَإِنْ فُرِّقَ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى نَعْلٍ لَا يَلْبَسُهَا فَقَطَعَ شِرَاكَهَا وَشَرَّكَهَا بِغَيْرِهِ ثُمَّ لَبِسَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعْلِ يَتَنَاوَلُهَا بَعْدَ قَطْعِ الشِّرَاكِ، وَلَوْ حَلَفَتْ امْرَأَةٌ لَا تَلْبَسُ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ فَخِيطَ جَانِبَاهَا فَجُعِلَتْ دِرْعًا وَجُعِلَ لَهَا جَيْبًا ثُمَّ لَبِسَتْهَا لَمْ تَحْنَثْ لِأَنَّهَا دِرْعٌ وَلَيْسَتْ بِمِلْحَفَةٍ فَإِنْ أُعِيدَتْ مِلْحَفَةً فَلَبِسَتْهَا حَنِثَتْ لِأَنَّهَا عَادَتْ مِلْحَفَةً بِغَيْرِ تَأْلِيفٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ ثُمَّ زِيدَ فِيهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي زِيدَ فِيهِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ حَمَّامًا أَوْ دِهْلِيزًا أَوْ ظُلَّةَ بَابِ دَارٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُسَمَّى بَيْتًا عَلَى الْإِطْلَاقِ عُرْفًا وَعَادَةً وَإِنْ سَمَّى اللَّهُ ﷿ الْكَعْبَةَ بَيْتًا فِي كِتَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى - ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦] وَسَمَّى الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا حَيْثُ قَالَ تَعَالَى ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦] ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَا عَلَى نَفْسِ إطْلَاقِ الِاسْمِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ ﷿ ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [النحل: ١٤] لَمَّا لَمْ يُسَمَّ لَحْمًا فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ كَذَا هَذَا، وَقِيلَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فِي مِثْلِ الدِّهْلِيزِ فِي دِهْلِيزٍ يَكُونَ خَارِجَ بَابِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَتُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْتُوتَةُ يَحْنَثْ، وَالصَّحِيحُ مَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الدِّهْلِيزَ لَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً سَوَاءٌ كَانَ خَارِجَ الْبَابِ أَوْ دَاخِلَهُ، وَلَوْ دَخَلَ صُفَّةً يَحْنَثُ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ،.
وَقِيلَ إنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ صِفَافَهُمْ تُغْلَقُ عَلَيْهَا الْأَبْوَابُ فَكَانَتْ بُيُوتًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْتِ وَهُوَ مَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً وَلِذَا سُمِّيَ ذَلِكَ بَيْتًا عُرْفًا وَعَادَةً.
فَأَمَّا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ بِلَادِنَا فَلَا يَحْنَثُ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْبَيْتِ وَانْعِدَامِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَالتَّسْمِيَةِ أَيْضًا
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الدُّخُولُ مِنْ الْبَابِ فَإِنْ نَقَبَ لِلدَّارِ بَابًا آخَرُ فَدَخَلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الدُّخُولِ مِنْ بَابٍ مَنْسُوبٍ إلَى الدَّارِ وَقَدْ وُجِدَ وَالْبَابُ الْحَادِثُ كَذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْبَابَ الْأَوَّلَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ، وَإِنْ عَيَّنَ الْبَابَ فَقَالَ لَا أَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَدَخَلَ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا يَسْكُنُهَا فُلَانً بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَهُوَ سَوَاءٌ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ قَوْلَهُ دَارَ فُلَانٍ إضَافَةُ مِلْكٍ إذْ الْمِلْكُ فِي الدَّارِ لِلْآجِرِ وَإِنَّمَا الْمُسْتَأْجِرُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ.
(وَلَنَا) أَنَّ الدَّارَ الْمَسْكُونَةَ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ تُضَافُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ عُرْفًا وَعَادَةً وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «مَرَّ بِحَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْجَرْتُهُ» أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْإِضَافَةُ عُرْفًا وَشَرْعًا،.
فَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا لِفُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا لَهُ قَدْ آجَرَهَا لِغَيْرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى دَارٍ يَمْلِكُهَا فُلَانٌ وَالْمِلْكُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ يَسْكُنُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُهَا.
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى السَّاكِنِ بِالسُّكْنَى فَسَقَطَ إضَافَةُ الْمِلْكِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ تُضَافَ دَارٌ وَاحِدَةٌ إلَى الْمَالِكِ بِجِهَةِ الْمِلْكِ وَإِلَى السَّاكِنِ بِجِهَةِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ تَذْهَبُ الِاسْتِحَالَةُ، فَإِنْ قَالَ لَا أَدْخُلُ حَانُوتًا لِفُلَانٍ فَدَخَلَ حَانُوتًا لَهُ قَدْ آجَرَهُ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ مِمَّنْ لَهُ حَانُوتٌ يَسْكُنُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ هَذَا الْحَانُوتِ؛ لِأَنَّهُ