الْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِأَكَلِ الْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالنَّاطِفِ وَالرَّبِّ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَكَذَا رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَكَلَ تِينًا رَطْبًا أَوْ يَابِسًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا حَامِضٌ فَخَلَصَ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فِيهِ وَلَوْ أَكَلَ عِنَبًا حُلْوًا أَوْ بِطِّيخًا حُلْوًا أَوْ رُمَّانًا حُلْوًا أَوْ إجَّاصًا حُلْوًا لَوْ يَحْنَث لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ مَا لَيْسَ بِحُلْوٍ فَلَمْ يَخْلُصْ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فِيهِ وَكَذَا الزَّبِيبُ لَيْسَ مِنْ الْحُلْوِ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ حَامِضٌ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلَاوَةً فَهُوَ مِثْلُ الْحَلْوَى.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ قَضْبًا لَا يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إذَا أَكْل بُسْرًا مَطْبُوخًا أَوْ رُطَبًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى تَمْرًا فِي الْعُرْفِ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمْرٌ حَقِيقَةً وَقَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ أَكَلَ حَيْسًا حَنِثَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِتَمْرٍ يُنْقَعُ فِي اللَّبَنِ وَيَتَشَرَّبُ فِيهِ اللَّبَنُ فَكَانَ الِاسْمُ بَاقِيًا لَهُ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ.
وَقِيلَ هُوَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَالِبُ هُوَ التَّمْرُ فَكَأَنَّ أَجْزَاءَ التَّمْرِ بِحَالِهَا فَيَبْقَى الِاسْمُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا.
هَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ ثِنْتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَثِنْتَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا أَمَّا الْأُولَيَانِ فَإِنَّ مَنْ يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ يَحْنَثْ فِيهِمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْمُذَنِّبَ هُوَ الْبُسْرُ الَّذِي ذَنَّبَ أَيْ رَطُبَ ذَنَبُهُ فَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَكَانَ الِاسْمُ بَاقِيًا وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَإِنَّ مَنْ يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَيَأْكُلْ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَيَأْكُلُ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةً وَمُحَمَّدٌ يَحْنَثُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الِاسْمَ لِلْغَالِبِ فِي الْعُرْفِ وَالْمَغْلُوبُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَكَذَا الْمَقْصُودُ فِي الْأَكْلِ هُوَ الَّذِي لَهُ الْغَلَبَةُ وَالْغَلَبَةُ لِلْبُسْرِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي لِلرُّطَبِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَكَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَيَّزَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَقَطَعَهُ وَأَكَلَهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ فَنَعَمْ لَكِنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُوجِبُ اسْتِهْلَاك الْمَغْلُوبِ فِي اخْتِلَاط الْمُمَازَجَةِ أَمَّا فِي اخْتِلَاط الْمُجَاوَرَةِ فَلَا لِأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا أَوْ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا قَدْ لُتَّ بِسَمْنٍ بِحَيْثُ يَسْتَبِينُ أَجْزَاءَ السَّوِيقِ فِي السَّمْنِ يَحْنَثُ لِقِيَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ بِعَيْنِهِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَبًّا فَأَيَّ حَبٍّ أَكَلَ مِنْ سِمْسِمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَأْكُلُهُ النَّاسُ عَادَةً يَحْنَثُ لِأَنَّ مُطْلَقَ يَمِينِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَنَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أَوْ سَمَّاهُ حَنِثَ فِيهِ وَلَمْ يَحْنَثْ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْمَلْفُوظِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا ابْتَلَعَ لُؤْلُؤَةً لِأَنَّ الْأَوْهَامَ لَا تَنْصَرِفُ.
إلَى اللُّؤْلُؤَةِ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَبِّ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْعِنَبِ لَا يَتَنَاوَلَهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ جَوْزًا فَأَكَلَ مِنْهُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا حَنِثَ وَكَذَلِكَ اللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ وَالتِّينُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ جَمِيعًا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ سَفَرْجَلًا أَوْ كُمَّثْرَى أَوْ خَوْخًا أَوْ تِينًا أَوْ إجَّاصًا أَوْ مِشْمِشًا أَوْ بِطِّيخًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَزَرًا لَا يَحْنَثْ وَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا لَا يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثْ وَلَوْ أَكَلَ زَبِيبًا أَوْ حَبَّ الرُّمَّانِ أَوْ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُسَمَّى فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ بَلْ تُعَدُّ مِنْ رُءُوسِ الْفَوَاكِهِ وَلِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَتَفَكُّهُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرٌ فَكَانَتْ فَوَاكِهَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا﴾ [عبس: ٢٧] ﴿وَعِنَبًا وَقَضْبًا﴾ [عبس: ٢٨] ﴿وَزَيْتُونًا وَنَخْلا﴾ [عبس: ٢٩] ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾ [عبس: ٣٠] ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس: ٣١] عَطَفَ الْفَاكِهَةَ عَلَى الْعِنَبِ وَقَوْلُهُ ﷿: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨] عَطَفَ الرُّمَّانَ عَلَى الْفَاكِهَةِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهِ التَّفَكُّهُ وَهُوَ التَّنَعُّمُ وَالتَّلَذُّذُ دُونَ الشِّبَعِ وَالطَّعَامُ مَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهِ التَّغَذِّي وَالشِّبَعُ وَالتَّمْرُ عِنْدَهُمْ يُؤْكَلُ بِطَرِيقِ التَّغَذِّي وَالشِّبَعِ.
حَتَّى رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ» .
وَقَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَوْمَ الْفِطْرِ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» ثُمَّ ذَكَرَ فِي جُمْلَةِ مَا تَقَعُ بِهِ الْغُنْيَةُ التَّمْرَ وَفِي بَعْضِهَا الزَّبِيبَ وَلِأَنَّ الْفَاكِهَةَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا فَمَا كَانَ رَطْبُهُ فَاكِهَةً كَانَ يَابِسُهُ فَاكِهَةً كَالتِّينِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْيَابِسُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَحَبُّ الرُّمَّانِ فَكَذَا رَطْبُهَا وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الْعُرْفِ