للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْرَبَ جَمِيعِ لَبَنِ الشَّاةِ فَلَا يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ فَيَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الْبَحْرِ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَبَنٌ قَدْ حُلِبَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَبَن هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ لِلَبَنٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ لَبَنًا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِهِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَحْنَثْ.

بِشُرْبِ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ لَبَنًا لَا يَسْتَطِيعُ شُرْبَهُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى شُرْبِ الْكُلِّ حَقِيقَةً فَإِذَا اسْتَطَاعَ شُرْبَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ شُرْبَهُ دَفْعَةً يُحْمَلُ عَلَى الْجُزْءِ كَمَا فِي مَاءِ الْبَحْرِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِيمَنْ قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ دَيْنًا عَلَيْهِ فَوَجَدَ فِيهِ دِرْهَمَيْنِ زَائِفَيْنِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا آخُذُ مِنْهُمَا شَيْئًا فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ.

وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذَا الْخَرُوفِ فَهَذَا عَلَى بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُ كُلِّهِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَادَةً وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِيمَنْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ حَنِثَ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ أَكَلَ رُمَّانَةً وَتَرَكَ مِنْهَا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ إنَّهُ أَكَلَ رُمَّانَةً وَإِنْ تَرَكَ نِصْفِهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْرِي فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الرُّمَّانَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى آكِلًا لِجَمِيعِهَا.

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُك لَحْمَ هَذَا الْخَرُوفِ أَوْ خَابِيَةَ الزَّيْتِ فَبَاعَ بَعْضَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ هَهُنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ بَيْعَ الْكُلِّ مُمْكِنٌ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِيمَنْ قَالَ لَا أَشْتَرِي مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَشْتَرِيَ مِنْهُمَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلَهُ لَا آكُلُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالتَّبْعِيضِ فِي الْأَكْلِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَبَعَّضُ فَيُحْمَلُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَمْ يُكَلِّمْ بَنِي آدَمَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْكُلِّ فَيُحْمَلُ عَلَى بَعْضِ الْجِنْسِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.

حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ فُلَانٍ فَالْكَسْبُ مَا صَارَ لَلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْأَخْذِ فِي الْمُبَاحَاتِ.

فَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا يَكُونُ كَسْبًا لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَسَبَ شَيْئًا فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْوَارِثِ يُسَمَّى كَسْبَ الْمَيِّتِ بِمَعْنَى مَكْسُوبِهِ عُرْفًا فَلَوْ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ صَارَ لِلثَّانِي بِفِعْلِهِ فَبَطَلَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْأَوَّلِ.

قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَا لَك إذَا قَالَ لَا آكُلُ مِمَّا مَلَكْت أَوْ مِمَّا يُمْلَكُ لَهُ أَوْ مِنْ مِلْكِكَ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ الثَّانِي لَمْ يَبْقَ مِلْكَ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَيْهِ بِالْمِلْكِ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَى فُلَانٌ أَوْ مِمَّا يَشْتَرِي فَاشْتَرَى الْمَحْلُوفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ حَنِثَ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرَى لَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا طَرَأَ عَلَى الشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ الْأُولَى وَتَجَدَّدَتْ إضَافَةٌ أُخْرَى لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْيَمِينُ وَإِنَّمَا كَانَ الشِّرَاءُ لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ سَوَاءً لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرِي فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لَا إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مِيرَاثِ فُلَانٍ شَيْئًا فَمَاتَ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَنِثَ فَإِنْ مَاتَ وَارِثُهُ فَأُورِثَ ذَلِكَ الْمِيرَاثُ فَأَكَلَ مِنْهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِنَسْخِ الْمِيرَاثِ الْأَخِيرِ الْمِيرَاثَ الْأَوَّلَ كَذَا ذَكَرَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمِيرَاثِ بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ الْأُولَى وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا قَالُوا.

فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا زَرَعَ فُلَانٌ فَبَاعَ فُلَانٌ زَرْعَهُ فَأَكَلَهُ الْحَالِفُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَنِثَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْأَوَّلِ لَا تَبْطُلُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَذَرَهُ الْمُشْتَرِي وَزَرَعَهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ هَذَا الزَّرْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِالزَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ يَصْنَعُهُ فُلَانٌ أَوْ مِنْ خُبْزٍ يَخْبِزُهُ فُلَانٌ فَتَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ ثُمَّ أَكَلَ الْحَالِفُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ مِنْ خُبْزِ فُلَانٍ وَمِنْ طَبِيخِهِ وَإِنْ بَاعَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَ فُلَانٌ ثَوْبًا فَبَاعَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُبْطِلُ الْإِضَافَةَ وَلَوْ كَانَ ثَوْبَ خَزٍّ فَنُقِضَ وَنَسَجَهُ آخَرُ ثُمَّ لَبِسَهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ النَّسْجَ الثَّانِيَ أَبْطَلَ الْإِضَافَةَ الْأُولَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَوْبًا مَسَّهُ فُلَانٌ فَمَسَّ فُلَانٌ ثَوْبًا وَتَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِالْمَسِّ لَا تُبْطِلُ الْبَيْعَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَشْتَرِي ثَوْبًا كَانَ فُلَانٌ مَسَّهُ.

بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>