للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا كَانَتْ تَسْتَبِينُ فِي السَّوِيقِ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ طَعْمُهُ وَلَا يُرَى مَكَانُهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا إذَا اسْتَبَانَتْ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَأَنَّهُ أَكَلَ السَّمْنَ بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا وَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ فَقَدْ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّمْنُ مُسْتَبِينًا فِي السَّوِيقِ وَكَانَ إذَا عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَاف الرِّوَايَةِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْنَثُ إذَا عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا وَإِذَا لَمْ يَسِلْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَإِذَا اخْتَلَطَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِجِنْسِهِ كَاللَّبَنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَطَ بِلَبَنٍ آخَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ وَإِنْ كَانَ الْغَلَبَةُ لِغَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَمِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ صَارَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ.

وَقَالَ الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ فَصَبَّهَا فِي مَاءٍ فَغَلَبَ عَلَى الْخَمْرِ حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهَا وَطَعْمُهَا فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَقَدْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

وَلَوْ حَلَفَ عَلَى مَاءٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ لَا يَشْرَبُ مِنْهُ شَيْئًا فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ غَيْرِهِ كَثِيرًا حَتَّى صَارَ مَغْلُوبًا فَشَرِبَهُ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ وَلَوْ صَبَّهُ فِي بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ عَظِيمٍ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ عُيُونَ الْبِئْرِ تَغُورُ بِمَا صُبَّ فِيهَا وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي صُبَّ فِي الْحَوْضِ الْعَظِيمِ لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ كُلِّهِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا الْمَاءَ الْعَذْبَ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ مَالِحٍ فَغَلَبَ عَلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَجُعِلَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ ضَأْنٍ فَخَلَطَهُ بِلَبَنِ مَعْزٍ فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ فَكَانَا كَالْجِنْسَيْنِ قَالَ الْكَرْخِيُّ.

وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الشَّاةِ لِشَاةٍ مَعْزٍ أَوْ ضَأْنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ لَبَنِ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ حَنِثَ إذَا شَرِبَهُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ وَالْغَلَبَةُ وَعَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَمِينِهِ ضَأْنٌ وَلَوْ مَعْزٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى لَبَنٍ وَاخْتِلَاطُهُ بِلَبَنٍ آخَرَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَبَنًا وَالْيَمِينُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَعَتْ عَلَى لَبَنِ الضَّأْنِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ لَبَنُ الْمَعْزِ فَقَدْ اُسْتُهْلِكَتْ صِفَتُهُ وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ وَلَا تُشْبِهُ الشَّاةُ إذَا حَلَفَ عَلَيْهَا بِعَيْنِهَا حَلِفَهُ عَلَى لَبَنِ الْمَعْزِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ الْغَالِبُ.

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي هَذِهِ الرُّطَبَةَ لِرُطَبَةٍ فِي كِبَاسَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى الْكِبَاسَةَ حَنِثَ وَنَظِيرُ هَذَا مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مَا يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ يَعْنِي مَا يَجِيءُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَك مِمَّا يُؤْكَلُ فَدَفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَحْمًا لِيَطْبُخَهُ فَطَبَخَهُ وَأُلْقِي فِيهِ قِطْعَةً مِنْ كَرِشِ بَقَرٍ ثُمَّ طُبِخَ الْقِدْرُ بِهِ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ الْمَرَقِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُرَاهُ يَحْنَثُ إذَا أُلْقِيَ فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ مَا لَا يُطْبَخُ وَحْدَهُ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ مَرَقَةٌ لِقِلَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ يُطْبَخُ وَيَكُونُ لَهُ مَرَقَةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ فُلَانٌ وَعَلَى مَرَقَتِهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِدَسَمِ اللَّحْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَإِذَا اخْتَلَطَ بِهِ لَحْمٌ لَا يَكُونُ لَهُ مَرَقٌ لِقِلَّتِهِ فَلَمْ يَأْكُلْ مَا جَاءَ بِهِ فُلَانٌ وَإِذَا كَانَ مِمَّا يُفْرَدُ بِالطَّبْخِ وَيَكُونُ لَهُ مَرَقٌ وَالْمَرَقُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَمْ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ وَحَنِثَ.

وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ لَا آكُلُ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ فَجَاءَ فُلَانٌ بِلَحْمٍ فَشَوَاهُ وَجَعَلَ تَحْتَهُ أَرُزًّا لِلْحَالِفِ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ جَوَانِبِهِ حَنِثَ وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِحِمِّصٍ فَطَبَخَهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ مَرَقَتِهِ وَفِيهِ طَعْمُ الْحِمِّصِ حَنِثَ وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَ بِرُطَبٍ فَسَالَ مِنْهُ رُبٌّ فَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ جَاءَ بِزَيْتُونٍ فَعُصِرَ فَأَكَلَ مِنْ زَيْتِهِ حَنِثَ.

قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكْلُ مِنْ ثَمَرَةِ هَذَا الْبُسْتَانِ وَفِيهِ نَخْلٌ يُحْصَى أَوْ لَا آكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ هَذَا النَّخْلِ وَهِيَ عَشَرَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ لَا آكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ هَاتَيْنِ النَّخْلَتَيْنِ أَوْ مِنْ هَاتَيْنِ الرَّطْبَتَيْنِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ التُّفَّاحَاتِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ أَوْ لَا أَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ فَأَكَلَ بَعْضَ ذَلِكَ أَوْ شَرِبَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِ بَعْضِ الْمَذْكُورِ وَشُرْبِ بَعْضِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ كُلِّ شَاةٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى شُرْبِ لَبَنِهِمَا فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ لَبَنِ إحْدَاهُمَا وَإِذَا شَرِبَ جُزْءًا مِنْ لَبَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>