للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلِيَّةٌ " " بَرِيئَةٌ " " بَتَّةٌ " " بَائِنٌ " " حَرَامٌ "؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كَمَا تَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ تَصْلُحُ لِلشَّتْمِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الشَّتْمِ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ مِنْ الْخَيْرِ، بَرِيئَةٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، بَائِنٌ مِنْ الدِّينِ، بَتَّةٌ مِنْ الْمُرُوءَةِ، حَرَامٌ أَيْ مُسْتَخْبَثٌ، أَوْ حَرَامٌ الِاجْتِمَاعُ وَالْعِشْرَةُ مَعَكِ.

وَحَالُ الْغَضَبِ وَالْخُصُومَةِ يَصْلُحُ لِلشَّتْمِ وَيَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ فَبَقِيَ اللَّفْظُ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا عَنِيَ بِهِ غَيْرَهُ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ، وَالظَّاهِرُ لَا يُكَذِّبُهُ فَيُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي حَالِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَصْلُحُ لِلتَّبْعِيدِ، وَالْحَالُ لَا يَصْلُحُ لِلشَّتْمِ فَيَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ لَا التَّبْعِيدِ وَلَا الشَّتْمِ فَتَرَجَّحَتْ جَنْبَةُ الطَّلَاقِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً أُخْرَى: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ فَارَقْتُكِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكِ بِنْتِ مِنِّي لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الشَّتْمَ كَمَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَيَقُولُ الزَّوْجُ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ لِشَرِّكِ وَفَارَقْتُكِ فِي الْمَكَانِ لِكَرَاهَةِ اجْتِمَاعِي مَعَكِ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَمَا أَنْتِ عَلَيْهِ وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنَّكِ أَقَلُّ مِنْ أَنْ أَتَمَلَّكَكِ وَبِنْتِ مِنَى لِأَنَّك بَائِنٌ مِنْ الدِّينِ أَوْ الْخَيْرِ وَحَالُ الْغَضَبِ يَصْلُحُ لَهُمَا، وَحَالُ ذِكْرِ الطَّلَاقِ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلطَّلَاقِ لِمَا ذَكَرْنَا فَالْتَحَقَتْ بِالْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

(وَأَمَّا) الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَبَقِيَّةُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لَا تَصْلُحُ لِلشَّتْمِ وَتَصْلُحُ لِلتَّبْعِيدِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُبْعِدُ الزَّوْجَةَ عَنْ نَفْسِهِ حَالَ الْغَضَبِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَكَذَا حَالَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ فَالْحَالُ لَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِهِمَا فَإِذَا قَالَ: مَا أَرَدْتُ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَالظَّاهِرُ لَا يُخَالِفُهُ فَيُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ قَبِلُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا لِأَنَّهَا هُنَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تُرَدُّ إلَى أَهْلِهَا وَتَحْتَمِلُ التَّبْعِيدَ عَنْ نَفْسِهِ وَالنَّقْلَ إلَى أَهْلِهَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ.

وَالْحَالُ لَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ مُحْتَمَلًا، وَسَوَاءٌ قَبِلَهَا أَهْلُهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ التَّصَرُّفِ هِبَةً فِي الشَّرْعِ لَا يَقِفُ عَلَى قَبُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْقَبُولِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فَكَانَ الْقَبُولُ شَرْطَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَأَهْلُهَا لَا يَمْلِكُونَ طَلَاقَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبُولِ.

وَكَذَا إذَا قَالَ: وَهَبْتُكِ لِأَبِيكِ أَوْ لِأُمِّكِ أَوْ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تُرَدُّ إلَى أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَتُسَلَّمُ إلَيْهِمَا وَيَمْلِكُهَا الْأَزْوَاجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِأَخِيكِ أَوْ لِأُخْتِكِ أَوْ لِخَالَتِكِ أَوْ لِعَمَّتِكِ أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُرَدُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ عَادَةً، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَسْت - لِي بِامْرَأَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: مَا أَنَا بِزَوْجِكِ، أَوْ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لَا فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ الْكَذِبَ يُصَدَّقُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ جَمِيعًا وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ الطَّلَاقَ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ نَوَى وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَتَزَوَّجْك وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْإِجْمَاعِ.

وَكَذَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ قَالَ: عَلَيَّ حُجَّةٌ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى بِالِاتِّفَاقِ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَا مَرْأَةَ لِي أَوْ مَا أَنَا بِزَوْجِك كَذِبٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ انْتِفَاءِ الزَّوْجِيَّةِ مَعَ قِيَامِهَا فَيَكُونُ كَذِبًا فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ كَمَا إذَا قَالَ: لَمْ أَتَزَوَّجْكِ أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُكِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ، وَكُلُّ لَفْظٍ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ لَمْ أَتَزَوَّجْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ نَفْيُ فِعْلِ التَّزَوُّجِ أَصْلًا وَرَأْسًا وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى النَّفْيِ تَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحَاجَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانِ قَدْ يَتَزَوَّجُ بِمَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى تَزَوُّجِهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَفْلِحِي يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَفْلِحِي بِمَعْنَى اذْهَبِي فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَفْلِحْ بِخَيْرٍ أَيْ: اذْهَبْ بِخَيْرٍ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا كَذَا هَذَا وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: أَفْلِحِي أَيْ: اظْفَرِي بِمُرَادِكِ يُقَالُ: أَفْلَحَ الرَّجُلُ إذَا ظَفِرَ بِمُرَادِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَرَادُهَا الطَّلَاقَ فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَلَوْ قَالَ: فَسَخْتُ النِّكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ نَقْضُهُ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْإِبَانَةِ.

وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَك طَلَاقًا.

وَقَالَ أَرَدْتُ بِهِ أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>