للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ وَمَالِكُ الثَّلَاثِ إذَا أَوْقَعَ وَاحِدَةً تَقَعُ كَالزَّوْجِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ فَقَدْ مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ الثَّلَاثِ، وَبَعْضُ الْمَمْلُوكِ يَكُونُ مَمْلُوكًا، وَلَوْ قَالَ: لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَقَعُ وَاحِدَةٌ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّهَا أَتَتْ بِمَا فَوَّضَ الزَّوْجُ إلَيْهَا وَزَادَتْ عَلَى الْقَدْرِ الْمُفَوَّضِ فَيَقَعُ الْقَدْرُ الْمُفَوَّضُ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ كَذَا هَذَا كَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: أَبَنْتُ نَفْسِي تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَتَلْغُو صِفَةُ الْبَيْنُونَةِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وُجُوهٌ مِنْ الْفِقْهِ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ إمَّا أَنْ تَقَعَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مَقْصُودًا أَوْ ضِمْنًا أَوْ ضَرُورَةَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِانْعِدَامِ لَفْظِ الْوَاحِدَةِ وَوُجُودِ لَفْظٍ آخَرَ وَكَذَا لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهَا نَفْسِي وَسُكُوتِهَا عَلَيْهِ، وَوَقْتَ وُقُوعِهَا مَعَ الثَّلَاثِ عِنْدَ قَوْلِهَا ثَلَاثًا، وَلَا وَجْهَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ إذْ الزَّوْجُ لَمْ يُمَلِّكْهَا الثَّلَاثَ فَلَا تَمْلِكُ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَلَا يَقَعُ الثَّلَاثُ فَلَا تَقَعُ الْوَاحِدَةُ ضِمْنًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ فَتَعَذَّرَ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ هُنَاكَ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ فَمَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ، وَمَالِكُ إيقَاعِ الثَّلَاثِ يَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي وَاحِدَةً فَقَالَتْ: طَلَّقَتْ نَفْسِي وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ ثَمَّ أَوْقَعَتْ الْوَاحِدَةَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِوُجُودِ لَفْظِ الْوَاحِدَةِ وَقْتَ وُقُوعِهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَوَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ثُمَّ اشْتَغَلَتْ بِغَيْرِهَا وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهَا فَلَغَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: قَدْ أَبَنْتُ نَفْسِي؛ لِأَنَّ هُنَاكَ أَوْقَعَتْ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لُغَةً عَلَى مَا نَذْكُرُ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ عَلَى الْقَدْرِ الْمُفَوَّضِ صِفَةَ الْبَيْنُونَةِ فَلَغَتْ وَبَقِيَ أَصْلُ الطَّلَاقِ.

وَالثَّانِي إنَّ الْمَرْأَةَ بِقَوْلِهَا: طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا أَعْرَضَتْ عَمَّا فَوَّضَ الزَّوْجُ إلَيْهَا فَيَبْطُلُ التَّفْوِيضُ وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِأَمْرٍ آخَرَ أَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا، وَدَلَالَةُ أَنَّهَا أَعْرَضَتْ عَمَّا فُوِّضَ إلَيْهَا أَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الْوَاحِدَةَ وَهِيَ أَتَتْ بِالثَّلَاثِ؛ وَالْوَاحِدَةُ مِنْ الثَّلَاثِ إنْ لَمْ تَكُنْ غَيْرَ الثَّلَاثِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ ذَاتًا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ غَيْرَ نَفْسِهِ لَكِنَّهَا غَيْرُ الْوَاحِدَةِ لَفْظًا وَحُكْمًا وَوَقْتًا.

(أَمَّا) اللَّفْظُ فَإِنَّ لَفْظَ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ لَفْظِ الثَّلَاثِ.

وَكَذَا حُكْمُهَا غَيْرُ حُكْمِ الثَّلَاثِ.

وَأَمَّا الْوَقْتُ فَإِنَّ وَقْتَ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ وَقْتِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَقَعُ عِنْدَ قَوْلِهَا طَلَّقْتُ نَفْسِي وَالثَّلَاثَ تَقَعُ عِنْدَ قَوْلِهَا ثَلَاثًا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدَدَ وَهُوَ الْوَاقِعُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِذِكْرِ الطَّلَاقِ ذِكْرُ عَدَدٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ، وَيَقِفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ فَصَارَتْ الْمَرْأَةُ بِاشْتِغَالِهَا بِذِكْرِ الثَّلَاثِ لَفْظًا مُعْرِضَةً عَنْ الْوَاحِدَةِ لَفْظًا وَحُكْمًا وَوَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِصَيْرُورَتِهَا مُشْتَغِلَةً بِغَيْرِ مَا مَلَكَتْ تَارِكَةً لِلْمَمْلُوكِ، وَالِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَمَّا مَلَكَتْ؛ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مَا مَلَكَتْ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ وَخُرُوجَ الْأَمْرِ عَنْ يَدِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا أَعْرَضَتْ عَمَّا فُوِّضَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الثَّلَاثَ وَتَفْوِيضَ الثَّلَاثِ تَفْوِيضُ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ، وَتَمْلِيكَ الثَّلَاثِ تَمْلِيكُ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الثَّلَاثِ وَجُزْءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ فَلَمْ تَصِرْ بِاشْتِغَالِهَا بِالْوَاحِدَةِ مُشْتَغِلَةً بِغَيْرِ مَا مَلَكَتْ وَلَا تَارِكَةً لِلْمَمْلُوكِ.

فَأَمَّا تَمْلِيكُ الْجُزْءِ فَلَا يَكُونُ تَمْلِيكَ الْكُلِّ فَافْتَرَقَا.

وَالثَّالِثُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُمَلِّكْهَا إلَّا الْوَاحِدَةَ الْمُنْفَرِدَةَ، وَمَا أَتَتْ بِالْوَاحِدَةِ الْمُنْفَرِدَةِ فَلَمْ تَأْتِ بِمَا مَلَّكَهَا الزَّوْجُ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَأَعْتَقَتْ عَبْدَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُمَلِّكْهَا إلَّا الْوَاحِدَةَ الْمُنْفَرِدَةَ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّوَحُّدِ، وَالتَّوَحُّدُ يُنْبِئُ عَنْ التَّفَرُّدِ فِي اللُّغَةِ فَكَانَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً مُنْفَرِدَةً عَنْ غَيْرِهَا؛ وَهِيَ وَإِنْ أَتَتْ بِالْوَاحِدَةِ بِإِتْيَانِهَا بِالثَّلَاثِ فَمَا أَتَتْ بِالْوَاحِدَةِ الْمُنْفَرِدَةِ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِثَلَاثٍ مُجْتَمِعَةٍ وَالثَّلَاثُ الْمُجْتَمِعَةُ لَا يُوجَدُ فِيهَا وَاحِدَةٌ مُنْفَرِدَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ لِتَضَادٍّ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فَلَمْ تَأْتِ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا

<<  <  ج: ص:  >  >>