للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحِلِّ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ أَطْلَقَ وَمَا قَيَّدَ، وَالْحِلُّ الْقَائِمُ إنْ بَطَلَ بِالتَّنْجِيزِ فَقَدْ وُجِدَ حِلٌّ آخَرُ؛ فَكَانَ التَّعْلِيقُ بَاقِيًا وَقَدْ وُجِدَ الْمِلْكُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ يَبْقَى تَعْلِيقُ الظِّهَارِ بِالدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا.

وَلَنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَقَاتُ الْحِلِّ الْقَائِمِ لِلْحَالِ، وَقَدْ بَطَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الطَّلَاقُ الْمُبْطِلُ لِلْحِلِّ الْقَائِمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ كَمَا إذَا صَارَ الشَّرْطُ بِحَالٍ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ بِأَنْ جَعَلَ الدَّارَ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَقَاتُ هَذَا الْحِلِّ أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَاقٌ مَانِعٌ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْيَمِينِ التَّقَوِّي عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ، وَالْمَنْعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِكَوْنِهِ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ.

وَذَلِكَ هُوَ الْحِلُّ الْقَائِمُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ لِلْحَالِ، فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فَيَصْلُحُ مَانِعًا، وَاَلَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي عَدَمٌ لِلْحَالِ، فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ فَكَانَ غَالِبَ الْعَدَمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَصْلُحُ إطْلَاقهُ مَانِعًا فَلَا يَكُونُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ مَا لَا يَكُونُ مُعَلَّقًا بِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: الْحَالِفُ أَطْلَقَ فَنَعَمْ لَكِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهُوَ التَّقَوِّي عَلَى الِامْتِنَاعِ.

وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَطْلِيقَاتِ هَذَا الْحِلِّ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الظِّهَارِ فَفِيهَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ رَوَى أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَلَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ أَوْ الْعِدَّةِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْمِلْكِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ.

فَإِنْ كَانَ بِشَرْطَيْنِ هَلْ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ أَوْ الْعِدَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرَطَيْنِ جَمِيعًا؟ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: لَا يُشْتَرَطُ بَلْ الشَّرْطُ قِيَامُ الْمِلْكِ أَوْ الْعِدَّةُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ.

وَقَالَ زُفَرُ: يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ.

وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلَّمَتْ زَيْدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَكَلَّمَتْ عَمْرًا طَلُقَتْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِأَنْ كَلَّمَتْ زَيْدًا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ كَلَّمَتْ عَمْرًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْحَالِفَ جَعَلَ كَلَامَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو جَمِيعًا شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَوُجُودُ جَمِيعِ الشَّرْطِ شَرْطٌ لِنُزُولِ الْجَزَاءِ، وَوَقْتُ نُزُولِ الْجَزَاءِ هُوَ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا كَلَّمَتْ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ فَكَذَا إذَا كَلَّمَتْ أَحَدَهُمَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَذَلِكَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ كَمَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيُشْتَرَطُ لِنُزُولِ الْجَزَاءِ وَوَقْتِ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَهُوَ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَهُ لَا غَيْرَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ إمَّا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ أَوْ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ نُزُولُ الْمُعَلَّقِ وَالْمِلْكِ الْقَائِمِ فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا.

فَأَمَّا وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَلَا وَقْتَ نُزُولِ الْجَزَاءِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ.

وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: كَمَالُ النِّصَابِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ وَنُقْصَانِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الدُّخُولُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا عِنْدَ الدُّخُولِ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَالْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ الدَّارَ صَحَّتْ الْيَمِينُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْكَلَامُ، فَإِذَا كَلَّمَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الدُّخُولِ بِأَنْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَلَّمَتْ.

وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ تَنْجِيزًا فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا أَيْضًا فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ كَالزَّوْجَةِ.

وَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ وَوُجِدَ شَرْطُهُ فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَهَذَا وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا سَوَاءٌ؛ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقِفُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَتِهَا كَمَا يَقِفُ عَلَى دُخُولِهَا وَكَلَامِهَا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا تَمْلِيكٌ كَقَوْلِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِك وَاخْتَارِي وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِمَا سِوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>