لِلتَّرَاخِي وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى الْإِيقَاعِ فَيَقْتَضِي تَرَاخِيَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِيقَاعِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَقَعُ الْأَوَّلُ لِلْحَالِ وَيَلْغُو الثَّانِي وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُمَا حَصَلَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ بِالْأَوَّلِ فَلَا يَقَعَانِ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ أَيْضًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ مَعْنَى التَّرَاخِي فِي الْوُقُوعِ لَا فِي الْإِيقَاعِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّرَاخِي فِي الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْإِيقَاعُ، وَاعْتِبَارُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّرَاخِي دَخَلَتْ عَلَى الْإِيقَاعِ وَالتَّرَاخِي فِي الْإِيقَاعِ يُوجِبُ التَّرَاخِي فِي الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ،.
فَأَمَّا الْقَوْلُ بِتَرَاخِي الْوُقُوعِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخِي الْإِيقَاعِ فَقَوْلٌ بِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْعِلَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَقْتَضِيهِ الْعِلَّةُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ - أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ - إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، مَوْصُولًا أَوْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقَعُ فِي الْقَضَاءِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلَامٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالطَّلَاقِ فَيَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ فَيَمْنَعُ التَّعْلِيقَ كَمَا لَوْ سَكَتَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ السُّعَالِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يُصَدَّقُ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّعْلِيقَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ.
وَكَذَا إذَا تَنَحْنَحَ مِنْ غَيْرِ سُعَالٍ غَشِيَهُ أَوْ تَسَاعَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَنَحْنَحَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ تَسَاعَلَ فَقَدْ قَطَعَ كَلَامَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ بِالسُّكُوتِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَثَلَاثِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ قَالَ: أَحَدًا وَعِشْرِينَ أَوْ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ وَقَعَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَدَدًا عَلَى عَدَدٍ، فَوُقُوعُ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الثَّانِي كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ فَطَالِقٌ، وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَحَدًا وَعِشْرِينَ فِي الْوَضْعِ كَلَامٌ وَاحِدٌ وُضِعَ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؟ فَلَا يَفْصِلُ الْبَعْضَ عَنْ الْبَعْضِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ أَوْ قَالَ: اثْنَيْ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَيْ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَيْ وَأَرْبَعِينَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ اثْنَتَانِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى عَشْرَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِاللَّفْظِ الْمُعْتَادِ فَيَقُولُ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَإِذَا لَمْ يَقُلْ يُعْتَبَرُ عَطْفًا عَلَى الْوَاحِدِ فَكَانَ إيقَاعُ الْعَشَرَةِ بَعْدَ الْوَاحِدِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ فَطَالِقٌ أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ.
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى وَعَشْرَةَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُنَا أَحَدَ عَشَرَ فَكَانَ مِثْلَهُ.
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَمِائَةً أَوْ وَاحِدَةً وَأَلْفًا كَانَ وَاحِدَةً كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ مِائَةً وَوَاحِدَةً وَأَلْفًا وَوَاحِدَةً؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَإِذَا قَدَّمَ الْوَاحِدَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْمُعْتَادَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْكُلَّ عَدَدًا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ عَطْفًا فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا قَالَ: وَاحِدَةً وَمِائَةً تَقَعُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي ذَلِكَ مُعْتَادٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْعَادَةِ مِائَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَمِائَةً عَلَى السَّوَاءِ؟ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا يَقَعُ اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؟ فَكَانَ هَذَا اسْمًا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، وَالطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهِ ذِكْرًا لِلْكُلِّ، فَكَانَ هَذَا إيقَاعَ تَطْلِيقَتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفًا وَوَاحِدَةً يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاحِدَةٌ، لَهُ أَنَّ التَّكَلُّمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مُعْتَادٍ بَلْ الْعَادَةُ قَوْلُهُمْ وَاحِدَةً وَنِصْفًا، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ الْمُعْتَادِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْكُلَّ عَدَدًا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ عَطْفًا، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الِاسْتِعْمَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُعْتَادٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَوَاحِدَةً عَلَى السَّوَاءِ.
وَمِنْهَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ أَضَافَ الزَّوْجُ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِضَافَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَصِحُّ.
وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ الزَّوْجَ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى مَحِلِّهِ فَيَصِحُّ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ.
وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّ مَحِلَّ الطَّلَاقِ الْمُقَيَّدُ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَالرَّجُلُ مُقَيَّدٌ إذْ الْمُقَيَّدُ هُوَ الْمَمْنُوعُ، وَالزَّوْجُ مَمْنُوعٌ