للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَرْطِ الْبَيَانِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْمُبَيَّنَةِ لَا فِي الْمَجْهُولَةِ، عَلَى أَنَّا إنْ قُلْنَا بِالْوُقُوعِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَهَذِهِ جَهَالَةٌ يُمْكِنُ رَفْعُهَا بِالْبَيَانِ، فَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ خَطَرًا لِجَهَالَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ خَطَرَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ بِحَقِيقَةِ أَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ جَرَيَانَ الْجَهَالَةِ؟ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ جَازَ.

وَكَذَا إذَا بَاعَ أَحَدَ شَيْئَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدُّ الْآخَرَ جَازَ، فَالطَّلَاقُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي احْتِمَالِ الْخَطَرِ فَوْقَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ خَطَرَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ؟ فَلَمَّا جَازَ بَيْعُ الْمَجْهُولِ فَالطَّلَاقُ أَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُقَارِنَةً أَوْ طَارِئَةً بِأَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ عَيْنًا ثُمَّ نَسِيَ الْمُطَلَّقَةَ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمُقَارِنَ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْإِضَافَةِ فَالطَّارِئُ لَأَنْ لَا يَرْفَعَ الْإِضَافَةَ الصَّحِيحَةَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا الْإِضَافَةُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا أَوْ إلَى جُزْءٍ جَامِعٍ مِنْهَا أَوْ شَائِعٍ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُزْءٍ جَامِعٍ مِنْهَا كَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْفَرْجِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يُقَالُ: فُلَانٌ يَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا رَأْسًا مِنْ الرَّقِيقِ وَكَذَا وَكَذَا رَقَبَةً.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: ٨٩]

وَالْمُرَادُ بِهَا الْجُمْلَةُ، وَفِي الْخَبَرِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» ، وَالْوَجْهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الذَّاتُ قَالَ اللَّهُ ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] أَيْ إلَّا هُوَ، وَمَنْ كَفَلَ بِوَجْهِ فُلَانٍ يَصِيرُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَيَثْبُتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَكَانَ ذِكْرُهَا ذِكْرًا لِلْبَدَنِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ.

وَكَذَا إذَا أَضَافَ إلَى وَجْهِهَا؛ لِأَنَّ قِوَامَ النَّفْسِ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الرُّوحَ تُسَمَّى نَفْسًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] ، وَلَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى دُبُرِهَا لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الدُّبُرَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْفَرْجِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا بِأَنْ قَالَ: نِصْفُكِ طَالِقٌ أَوْ ثُلُثُكِ طَالِقٌ أَوْ رُبْعُك طَالِقٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْك، أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحِلٌّ لِلنِّكَاحِ حَتَّى تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ تَقْتَضِي ثُبُوتَ حُكْمِ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَإِنَّهُ شَائِعٌ فِي جُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ بِعُذْرِ الِاسْتِمْتَاعِ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ لِمَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ اسْتِمْتَاعٌ بِالْجُزْءِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ فَيَزُولَ ضَرُورَةً.

وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ وَنَحْوِهَا؛ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَقَعُ الطَّلَاقَ.

وَقَالَ زُفَرُ: يَقَعُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْيَدَ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ فَيَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا كَمَا لَوْ أَضَافَ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْيَدَ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ أَنَّ الْبَدَنَ عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْهَا الْيَدُ فَكَانَتْ الْيَدُ بَعْضَ الْجُمْلَةِ الْمُرَكَّبَةِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى بَعْضِ الْبَدَنِ إضَافَةٌ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَطْلِيقِ النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ جَمْعُ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا.

وَالْأَمْرُ بِتَطْلِيقِ الْجُمْلَةِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ تَطْلِيقِ جُزْءٍ مِنْهَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِتَطْلِيقِ جُمْلَةِ الْبَدَنِ، وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهِ وَالْمَنْهِيُّ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فَلَا يَصِحُّ شَرْعًا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: يَدُكِ طَالِقٌ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى مَا لَيْسَ مَحَلَّ الطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى خِمَارِهَا، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى يَدِهَا، وَيَدُهَا لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلطَّلَاقِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهَا فَلَا تَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ مَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَحِلًّا لِلْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخُ مَا ثَبَتَ بِالْبَيْعِ كَذَا هَذَا، وَالثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ مَحَلُّ حُكْمٍ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، وَحُكْمُ الطَّلَاقِ زَوَالُ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَقَيْدُ النِّكَاحِ ثَبَتَ فِي جُمْلَةِ الْبَدَنِ لَا فِي الْيَدِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ أُضِيفَ إلَى جُمْلَةِ الْبَدَنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَيْدُ الثَّابِتُ فِي جُمْلَةِ الْبَدَنِ فِي الْيَدِ وَحْدَهَا فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَدِ وَحْدَهَا إضَافَةً إلَى مَا لَيْسَ مَحِلَّ الطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ.

وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْبَدَنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ - وَهُوَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ - فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ، أَوْ يُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ كَمَنْ قَطَعَ حَبْلًا مَمْلُوكًا لَهُ تَعَلَّقَ بِهِ قِنْدِيلُ غَيْرِهِ وَهَهُنَا لَا ضَرُورَةَ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ فِي الْجُزْءِ الْمُعَيَّن مَقْصُورًا عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِبَاقِي الْبَدَنِ فَكَانَ بَقَاءُ النِّكَاحِ مُفِيدًا، لَكِنْ لَا قَائِلَ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: الْيَدُ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ فَنَقُولُ: إنْ سَلِمَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلِمَ يَكُنْ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>