للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ بِحَرْفِ الْوَاوِ، وَلَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْخَبَرِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.

وَلَوْ أَدْخَلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى جُمْلَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَمِينٌ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاء إلَى مَا يَلِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَلَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا الْعَتَاقُ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْكَلَامَ مَعْطُوفٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى بِحَرْفِ الْوَاوِ فَيَجْعَلُهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا كَمَا فِي التَّنْجِيزِ بِأَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ؟ ، وَحُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ لِمَا يَلِيهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَانْصِرَافُهُ إلَى غَيْرِهِ لِتَتِمَّ الْجُمْلَةُ النَّاقِصَةُ صُورَةً، وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهَهُنَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ تَامَّةٌ صُورَةً، وَمَعْنًى أَمَّا الصُّورَةُ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ كُلَّ جَزَاءٍ بِشَرْطٍ عَلَى حِدَةٍ عُلِمَ أَنَّ غَرَضَهُ لَيْسَ جَعْلُهُمَا جَمِيعًا جَزَاءً وَاحِدًا؛ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَزَاءً تَامًّا صُورَةً، وَمَعْنًى.

قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ الطَّلَاقَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ، وَهُوَ الْفَاءُ؛ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَتَصِيرُ الْجُمْلَةُ كَلَامًا وَاحِدًا.

وَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ (وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَزَاءَ إذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حَرْفِ الِاتِّصَالِ - وَهُوَ حَرْفُ الْفَاءِ - لِيَتَّصِلَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتَّصِلْ فَكَانَ قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا فَلَمْ يَصِحَّ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ لِعَدَمِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ - وَهُوَ حَرْفُ الْفَاءِ - فَيَبْقَى تَنْجِيزًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا أَنَّ الْفَاءَ يُضْمَرُ فِي كَلَامِهِ تَصْحِيحًا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَالْإِضْمَارُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ جَائِزٌ قَالَ الشَّاعِرُ

مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا … وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ

أَيْ: فَاَللَّهُ يَشْكُرُهَا، أَوْ يُجْعَلُ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ تَصْحِيحًا لِلِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْكَلَامِ جَائِزٌ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ.

وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَصِحَّانِ لِتَصْحِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَتَعَلَّقُ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ التَّعْلِيقِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لَمْ يَتَعَلَّقْ، وَلَا يَصْدُقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّعْلِيقَ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرَ كَذَا هَذَا (وَوَجْهُ) الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذِكْرِ حَرْفِ الْفَاءِ فِي التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ - إذَا كَانَ الْجَزَاءُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ - لِيَتَّصِلَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ فَيُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَالْعِلْمُ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْلِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوُقُوعُ هَذَا الطَّلَاقِ مِمَّا لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ رَأْسًا حَتَّى تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى وَصْلِ الْجَزَاءِ بِهِ لِيُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ فَكَانَ تَعْطِيلًا فِي عِلْمِنَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ حَرْفِ الْوَصْلِ قَبْلَ هَذَا الشَّرْطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنْتِ طَالِقٌ، يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ التَّعْلِيقَ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً، وَلَا دِيَانَةً لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ مَنْ يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ مِنْ الْعِبَادِ بِأَنْ قَالَ: إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَالطَّلَاقُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يُعْلَمُ فِيهِ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّعْلِيقِ تَمْلِيكٌ لِمَا نَذْكُرُ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ الشَّيَاطِينُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَةِ هَؤُلَاءِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>