للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ ﷿ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ مَشِيئَةِ الْعِبَادِ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَشَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطَيْنِ لَا يُعْلَمُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ زَيْدٌ، وَعُمَرُ فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَقَعُ، وَإِنْ جُعِلَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ لَا يُشْتَرَطُ وَقَالَ زُفَرُ يُشْتَرَطُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ عِنْدَ زُفَرَ الْغَايَتَانِ لَا يَدْخُلَانِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَقَعَ، وَإِلَّا، فَلَا.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ الْغَايَتَانِ تَدْخُلَانِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى تَدْخُلُ لَا الثَّانِيَةُ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَى اثْنَتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَعِنْدَهُمَا هِيَ اثْنَتَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَهِيَ اثْنَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هِيَ ثَلَاثٌ، وَعِنْدَ زُفَرَ هِيَ وَاحِدَةٌ (وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ كَلِمَةَ مَنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَكَلِمَةَ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ؛ يُقَالُ سِرْت مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْكُوفَةِ أَيْ: الْبَصْرَةُ كَانَتْ ابْتِدَاءَ غَايَةِ الْمَسِيرِ وَالْكُوفَةُ كَانَتْ غَايَةَ الْمَسِيرِ، وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذْ قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَالْحَائِطَانِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ هَذَا مِنْهُ إيقَاعَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ لَا الْغَايَةُ، فَيَقَعُ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ لَا الْغَايَةُ.

وَكَذَا إذَا قَالَ: بِعْتُك مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَانِ فِي الْبَيْعِ كَذَا هَهُنَا، وَلِهَذَا لَمْ تَدْخُلْ إحْدَى الْغَايَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا الْأُخْرَى، وَلَهُمَا أَنَّ مَا جُعِلَ غَايَةً لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ غَايَةً، وَمِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِهِ وُقُوعُهُ، وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى فَكَذَا الثَّانِيَةُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْغَايَةَ هُنَاكَ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهَا بِالْبَيْعِ لِيَكُونَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِهَا بِالْبَيْعِ دُخُولُهَا فِيهِ فَلَمْ تَدْخُلْ، وَأَبُو حَنِيفَةَ بَنَى الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ، وَيُرِيدُ بِهِ دُخُولَ الْغَايَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ.

وَكَذَا يُقَالُ سِنُّ فُلَانٍ مِنْ تِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ، وَيُرَادُ بِهِ دُخُولُ الْغَايَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ.

وَكَذَا إذَا قِيلَ مَا بَيْنَ تِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ،.

وَقِيلَ إنَّ الْأَصْمَعِيَّ أَلْزَمَ زُفَرَ هَذَا الْفَصْلَ عَلَى بَابِ الرَّشِيدِ فَقَالَ لَهُ: كَمْ سِنُّكَ؟ فَقَالَ مِنْ سَبْعِينَ إلَى ثَمَانِينَ، وَكَانَ سِنُّهُ أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ فَتَحَيَّرَ زُفَرُ؛؛ وَلِأَنَّ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ قَدْ تَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ وَقَدْ لَا تَدْخُلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] وَاللَّيْلُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ فِيهِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي دُخُولِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي كَلَامِهِ، فَلَا يَدْخُلُ مَعَ الشَّكِّ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقِيَاسُ ظَاهِرِ أَصْلِهِمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى اثْنَتَيْنِ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الْغَايَتَيْنِ يَدْخُلَانِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَعَلَ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ دَاخِلَةً فِي الثِّنْتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَعَلَهَا غَيْرَ الثِّنْتَيْنِ، فَلَا تَقَعُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ بِالشَّكِّ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ إلَى اثْنَتَيْنِ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ الِابْتِدَاءَ هُوَ الْغَايَةُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ اثْنَتَيْنِ إلَيْهِمَا.

وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ، وَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَ الثَّلَاثَ غَايَةً، وَإِنَّمَا أَوْقَعَ مَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ - وَهُوَ وَاحِدَةٌ - فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ - فَهِيَ وَاحِدَةٌ - أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَلِأَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى تَدْخُلُ، وَلَا تَدْخُلُ الثَّانِيَةُ فَتَقَعُ وَاحِدَةً.

وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَالْغَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَتَا يَدْخُلَانِ جَمِيعًا لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ أَيْ: مِنْهَا وَإِلَيْهَا، فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ فَالْغَايَتَانِ لَا يَدْخُلَانِ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ مَضْرُوبًا فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ، وَيَقَعُ الْمَضْرُوبُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَقَعُ الْمَضْرُوبُ وَالْمَضْرُوبُ فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً فِي ثَلَاثٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ؛ وَجُمْلَةُ الْجَوَابِ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ الظَّرْفَ وَالْوِعَاءَ لَا يَقَعُ إلَّا الْمَضْرُوبُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>