عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَيَقَعُ عَلَى الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ الْقُوَّةُ.
وَلَوْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ ﷿ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ قَرِبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ - وَهُوَ الْقُوَّةُ -.
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ، وَرُوِيَ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» .
أَمَّا الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْجِمَاعِ فَأَنْوَاعُ بَعْضِهَا صَرِيحٌ، وَبَعْضُهَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَبَعْضُهَا كِنَايَةٌ أَمَّا الصَّرِيحُ فَلَفْظُ الْمُجَامَعَةِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا.
وَأَمَّا الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ فَلَفْظُ الْقُرْبَانِ وَالْوَطْءِ وَالْمُبَاضَعَةِ وَالِافْتِضَاضِ فِي الْبِكْرِ؛ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَوْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يُبَاضِعَهَا أَوْ لَا يَفْتَضَّهَا، وَهِيَ بِكْرٌ.
؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ الْمُضَافَ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ فِي الْعُرْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] .
وَكَذَا الْوَطْءُ الْمُضَافُ إلَيْهَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِمَاعِ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» ، وَالْمُبَاضَعَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبُضْعِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْفَرْجُ، وَالِافْتِضَاضُ فِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ جِمَاعِ الْبِكْرِ -، وَهُوَ كَسْرُ الْعُذْرَةِ - مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَضِّ، وَهُوَ الْكَسْرُ.
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْجِمَاعِ، فَأَمَّا الْجِمَاعُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَالِاغْتِسَالُ لَا يَكُونُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِنْزَالِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ مَا لَمْ يُنْزِلْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ.
وَفِي الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لَا يَقِفُ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَى وُجُودِ الْإِنْزَالِ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ فِي الْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَنَحْوُ لَفْظَةِ الْإِتْيَانِ وَالْإِصَابَةِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا أَوْ لَا يُصِيبُ مِنْهَا يُرِيدُ الْجِمَاعَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْجِمَاعِ، وَفِي غَيْرِهِ اسْتِعْمَالًا عَلَى السَّوَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ.
وَكَذَا لَفْظَةُ الْغَشَيَانِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَغْشَاهَا؛ لِأَنَّ الْغَشَيَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] أَيْ: جَامَعَهَا، وَيُسْتَعْمَل فِي الْمَجِيءِ، وَفِي السِّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ﴾ [العنكبوت: ٥٥] قِيلَ: يَأْتِيهِمْ،.
وَقِيلَ يَسْتُرُهُمْ، وَيُغَطِّيهِمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ.
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ جِلْدُهُ جِلْدَهَا.
وَقَالَ: لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، وَيَحْتَمِلُ الْمَسَّ الْمُطْلَقَ فَيَحْنَثُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَالْإِيلَاءُ مَا وَقَفَ الْحِنْثُ فِيهِ عَلَى الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا بِغَيْرِ مُمَاسَّةِ الْجِلْدِ بِأَنْ يَلُفَّ ذَكَرَهُ بِحَرِيرَةٍ فَيُجَامِعُهَا وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسَّهَا لِمَا قُلْنَا.
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُضَاجِعُهَا أَوْ لَا يَقْرَبُ فِرَاشَهَا.
وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ مُضَاجَعَةٍ، وَلَا قُرْبِ فِرَاشٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي، وَرَأْسُك فَإِنْ عَنَى بِهِ الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْجِمَاعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَلَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى فِرَاشٍ، وَلَا مِرْفَقَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَهُ جِمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعٍ عَلَى الْفِرَاشِ، وَلَا شَيْءَ يَجْمَعُ رَأْسَهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي، وَرَأْسَكِ وِسَادَةٌ أَوْ لَا يُؤْوِينِي، وَإِيَّاكِ بَيْتٌ أَوْ لَا أَبِيت مَعَك فِي فِرَاشٍ فَإِنْ عَنَى الْجِمَاعَ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْجِمَاعُ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَكَيْفَمَا جَامَعَهَا فَهُوَ حَانِثٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الْجِمَاعَ فَلَيْسَ بِمُولٍ، وَلَا يَأْوِي مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَلَا يَبِيتُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى وِسَادَةٍ لِئَلَّا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَيَطَؤُهَا عَلَى الْأَرْضِ وَالْبَوَادِي، وَلَوْ حَلَفَ لَأَسُوءَنَّكِ أَوْ لَأَغِيظَنَّكِ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا إذَا عَنَى بِهِ تَرْكَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاءَةَ قَدْ تَكُونُ بِتَرْكِ الْجِمَاعِ وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِهِ.
وَكَذَا الْغَيْظُ، فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ.
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَبِصِفَاتِهِ فَهِيَ الْحَلِفُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ بِلَفْظٍ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الصِّفَةِ أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ، وَفِي غَيْرِهَا لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الصِّفَةِ، وَمَوْضِعُ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كِتَابُ الْأَيْمَانِ.
ثُمَّ الْإِيلَاءُ إذَا كَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَالْمُولِي لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْإِيلَاءَ.
وَأَمَّا إنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا إنْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ، وَأَمَّا إنْ وَقَّتَهُ إلَى غَايَةٍ فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك كَانَ مُولِيًا لِلْحَالِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا، وَبِمَا يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً يَصِيرُ مُولِيًا، أَوْ يُقَالُ: مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ فَهُوَ مُولٍ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَصْلُحُ مَانِعًا - تَحَرُّزًا عَنْ الْهَتْكِ -، وَهُوَ مَا يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً، وَعُرْفًا.
وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ - وَهُوَ الْكَفَّارَةُ - فَيَصِيرُ مُولِيًا.