للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا، وَهَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا أَوْ يَقُولَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ، وَهُمَا فَصْلٌ وَاحِدٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا أَوْ إحْدَاكُنَّ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا أَوْ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا صَارَ مُولِيًا مِنْهُمَا لِلْحَالِ حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَقْرَبْهُمَا فِيهَا بَانَتَا جَمِيعًا، وَيَبْطُلُ.

وَكَذَا إذَا قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ لِلْحَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَبْهُنَّ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَّ جَمِيعًا، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ - وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُولِيًا فِي الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الْأُخْرَى.

وَفِي الثَّانِي مَا لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الْأُخْرَى، وَفِي الثَّالِثِ مَا لَمْ يَطَأْ الثَّالِثَةَ مِنْهُنَّ فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.

وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ، وَهَهُنَا يُمْكِنُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قُرْبَانُ إحْدَاهُمَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا إذْ جُعِلَ شَرْطُ الْحِنْثِ قُرْبَانَهُمَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ الثَّلَاثِ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْءِ الثَّلَاثِ مِنْهُنَّ فَلِمَ يُوجَدْ حَدُّ الْمُولِي، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا، وَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ، فَلَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَوُجِدَ حَدُّ الْإِيلَاءِ فَيَصِيرُ مُولِيًا.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ.

وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ لَزِمَهُ تَعْيِينُ الْأُخْرَى لِلْإِيلَاءِ، وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ وَقَدْ وُجِدَ حَدُّ الْإِيلَاءِ فَيَكُونُ مُولِيًا، وَلَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ قُرْبَانُهُمَا، وَلَكِنْ يَبْطُلُ إيلَاؤُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْقُرْبَانِ وَقَدْ وُجِدَ، وَالْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَةِ عَلَى حَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمُبْطِلِ فِي حَقِّهِمَا، وَهُوَ الْقُرْبَانُ، وَلَوْ قَرِبَهُمَا جَمِيعًا بَطَلَ إيلَاؤُهُمَا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِوُجُودِ الْمُبْطِلِ لَهُمَا وَالْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ، وَهُوَ قُرْبَانُهُمَا.

وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَطَلَ إيلَاؤُهَا، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ وَطِئَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قُرْبَانُهُمَا، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ.

وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ قُرْبَانُ إحْدَاهُمَا، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا أَوْ بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ تَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَةُ لِلْإِيلَاءِ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَبْ إحْدَاهُمَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَلَهُ خِيَارٌ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ حُكْمِ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ شَرْعًا بِشَرْطِ تَرْكِ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ أَقْرَبْ إحْدَاكُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِي إحْدَاكُمَا طَالِقٌ بَائِنٌ.

وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَقْرَبْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ، وَلَهُ الْخِيَارُ يُوقِعُ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ كَذَا هَذَا، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ الْإِيلَاءَ فِي إحْدَاهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ بَلْ يَقَعُ عَلَى إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَيُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَالتَّعْيِينُ يَكُونُ تَغْيِيرَ الْيَمِينِ، فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْيَمِينِ إبْطَالُهَا مِنْ وَجْهٍ وَالْيَمِينُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ؛ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ، وَمَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَرَادَ التَّعْلِيقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَذَا هَذَا فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَبَانَتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَجْهُولَةِ يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي التَّعْيِينِ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَلَوْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى، وَبَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأُخْرَى.

وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ آلَى مِنْ إحْدَاهُمَا لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِيلَاءُ إلَّا إحْدَاهُمَا.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ لِعَدَمِ الْحِنْثِ فَكَانَ تَعْلِيقُ طَلَاقِ إحْدَاهُمَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ بَاقِيًا، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فَقَدْ زَالَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>