مُزَاحَمَتُهُمَا وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا، وَتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا كَمَا لَوْ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ بِالْمَوْتِ بِأَنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَلَيْسَ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى كَذَا هَهُنَا.
وَهَلْ يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُولَيْ مِنْهَا بِالْإِيلَاءِ السَّابِقِ بِتَكْرَارِ الْمُدَّةِ؟ لَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَتَرْجِيحُ بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ فِيهِ عَلَى الْبَعْضِ يُعْرَفُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَانَتْ الْأُخْرَى بِتَطْلِيقَةٍ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَقْرَبْهُمَا فِيهَا بَانَتَا جَمِيعًا كَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا.
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُمَا بَلْ عَنْ إحْدَاهُمَا، فَصَارَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا قَرِبَ إحْدَاهُمَا يَحْنَثُ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَدَلَّ أَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ إحْدَاهُمَا لَا غَيْرَ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ - وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ - أَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْكِنَايَةِ وَالْكِنَايَاتُ مَعَارِفُ بَلْ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَالْمُضَافُ إلَى الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةٌ، وَالْمَعْرِفَةُ تَخْتَصُّ فِي النَّفْيِ كَمَا تَخْتَصُّ فِي الْإِثْبَاتِ وَقَوْلُهُ: وَاحِدَةً مِنْكُمَا نَكِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ بِنَفْسِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ صَيْرُورَتَهَا مَعْرِفَةً، وَهُوَ اللَّامُ أَوْ الْإِضَافَةُ فَبَقِيَتْ نَكِرَةً، وَأَنَّهَا فِي مَحَلِّ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ إدْخَالُ كَلِمَةِ الْإِحَاطَةِ وَالِاشْتِمَالِ - وَهِيَ كَلِمَةُ كُلٍّ - عَلَى وَاحِدَة مِنْكُمَا.
وَلَا يَسْتَقِيمُ إدْخَالُهَا عَلَى إحْدَاكُمَا حَتَّى يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ كُلَّ إحْدَاكُمَا فَدَلَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَوْلُهُ: إحْدَاكُمَا لَا يَصْلُحُ لَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا فَقَرِبَ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ إيلَاؤُهُمَا جَمِيعًا، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ قُرْبَانُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا فَقَرِبَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إنَّهُ يَبْطُلُ إيلَاؤُهُمَا، وَلَا يَبْطُلُ إيلَاءُ الْبَاقِيَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ أَمَّا بُطْلَانُ إيلَاءِ الَّتِي قَرِبَهَا فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْبُطْلَانِ، وَهُوَ الْقُرْبَانُ، وَلَمْ يُوجَدْ الْقُرْبَانُ فِي الْبَاقِيَةِ، فَلَا يَبْطُلُ إيلَاؤُهَا، وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِعَدَمِ شَرْطِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ قُرْبَانُهُمَا جَمِيعًا.
قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا، لَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَمْ يَقْرَبْ الْأَمَةَ فَإِذَا قَرِبَ الْأَمَةَ صَارَ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَقَبْلَ أَنْ يَقْرَبَ الْأَمَةَ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحِنْثَ بِقُرْبَانِهِمَا، فَلَا يَثْبُتُ بِقُرْبَانِ إحْدَاهُمَا، فَإِذَا قَرِبَ الْأَمَةَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَصَارَ مُولِيًا.
وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فِي حَقِّ الْبِرِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْمَعْرِفَةِ، وَالْمَعْرِفَةُ تَخُصُّ، وَلَا تَعُمُّ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلِّ الْإِثْبَاتِ أَوْ فِي مَحَلِّ النَّفْيِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا إحْدَاهُمَا، وَالْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ تَرْكِ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ أَقْرَبْ إحْدَاكُمَا فِي الْمُدَّةِ فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا عَنَى امْرَأَتَهُ، وَمَا عَنَى هَهُنَا، فَلَا يُمْكِنُهُ جَعْلُهُ إيلَاءً فِي حَقِّ الْبِرِّ.
وَلَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ يَمِينًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَرِبَهَا حَنِثَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إيلَاءً فِي حَقِّ الْبِرِّ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُمَا كَانَ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاحِدَةَ نَكِرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْأَفْرَادِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ وَاحِدًا مِنْ رِجَالِ حَلَبَ إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَرِبَ إحْدَاهُمَا حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قُرْبَانُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا قُرْبَانُهُمَا وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ حُرَّةٌ، وَأَمَةٌ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا صَارَ مُولِيًا مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِيلَاءِ فَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ، وَلَمْ يَقْرَبْهُمَا بَانَتْ الْأَمَةُ لِمُضِيِّ مُدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ قُرْبَانٍ، وَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ آخَرَانِ بَانَتْ الْحُرَّةُ أَيْضًا لِتَمَامِ مُدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِيلَاءِ وَقَدْ أَضَافَ الْإِيلَاءَ إلَى إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ، وَلَمْ