حَتَّى أَشْتَرِيَك لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُطْلَقِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِغَيْرِهِ، فَلَا يَمْلِكُهَا، فَلَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ.
وَكَذَا إذَا قَالَ: حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا شِرَاءً فَاسِدًا، فَلَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ، فَلَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ: حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي، وَأَقْبِضَك كَانَ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَيَرْتَفِعُ النِّكَاحُ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك مَا دُمْت فِي نِكَاحِي، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ النِّكَاحِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَوْ حَلَفَ بِهِ لَكَانَ مُولِيًا يَصِيرُ مُولِيًا إذَا جَعَلَهُ غَايَةً، وَإِلَّا، فَلَا.
هَذَا أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ.
وَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُهَا فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا،، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَعْتِقَ عَبْدِي فُلَانًا أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي فُلَانَةَ أَوْ حَتَّى أَصُومَ شَهْرًا أَنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا، لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ هَذِهِ الْغَايَاتِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَدْخُلَ الدَّارَ أَوْ حَتَّى أُكَلِّمَ فُلَانًا، وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا، وَبِمَا يُحْلَفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ عِتْقُ عَبْدِهِ، وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَصَوْمُ الشَّهْرِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكَانَ مُولِيًا فَكَذَا إذَا جَعَلَهَا غَايَةً.
وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ: إمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ عِتْقُ الْعَبْدِ أَوْ طَلَاقُ الْمَرْأَةِ أَوْ صَوْمُ الشَّهْرِ، فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ مُولِيًا كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ.
قَالَ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَقْتُلَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أَشْتُمَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أَشْتُمَ فُلَانًا أَوْ أَضْرِبَ فُلَانًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْلَفْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُرْفًا، وَعَادَةً، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ غَايَةً لِلْإِيلَاءِ.
وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ قَتْلُ عَبْدِي أَوْ ضَرْبُ عَبْدِي أَوْ شَتْمُ عَبْدِي أَوْ قَتْلُ فُلَانٍ أَوْ ضَرْبُ فُلَانٍ أَوْ شَتْمُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ أَوْ أُكَلِّمَ فُلَانًا لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَنَحْوُ قَوْلِهِ: إنْ قَرِبْتُك فَامْرَأَتِي الْأُخْرَى طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ: فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ أَوْ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ فَعَلَيَّ هَدْيٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ اعْتِكَافٌ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ، وَالْحَالِفُ يَتَقَوَّى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ قُرْبَانِ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَى الطَّبْعِ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ ﷿ لِحُصُولِ مَا وُضِعَ لَهُ الْيَمِينُ، وَهُوَ التَّقَوِّي عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ.
وَكَذَا يُعَدُّ مَانِعًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَكَذَا لِبَعْضِهَا مَدْخَلٌ فِي الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ، وَهِيَ الْإِطْعَامُ وَالصَّوْمُ وَالْهَدْيُ، وَالِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَدْخَلٌ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِمَا إلَّا بِمَالٍ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ وَالصَّدَقَةَ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْخِلَافَ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِحِنْثٍ يَلْزَمُهُ، وَهَهُنَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِأَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَهَا ثُمَّ يَقْرَبُهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ قُرْبَانِهَا بِمَا يَصْلُحُ مَانِعًا، وَيُعَدُّ مَانِعًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَكَانَ مُولِيًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ قَبْلَ الْقُرْبَانِ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْقُرْبَانِ، فَيَكُونُ الْمِلْكُ قَائِمًا لِلْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَالْبَيْعُ مَوْهُومٌ فَكَانَ الْحِنْثُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ لَازِمًا عَلَى اعْتِبَارِ الْحَالِ ظَاهِرًا، وَغَالِبًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرًّا.
وَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ مُولٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَكُونُ مُولِيًا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ بِالْقُرْبَانِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْقُرْبَانِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ التَّمْلِيكِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْجَزَاءُ الْمَانِعُ مِنْ الْقُرْبَانِ مَا يُلْزَمُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ التَّمَلُّكِ وَالتَّزَوُّجِ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُرْبَانَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَكَوْنُ الْقُرْبَانِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ يَصْلُحُ مَانِعًا لَهُ عَنْ الْقُرْبَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرِبَهَا