انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ وَالْيَمِينُ إذَا انْعَقَدَتْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ خَوْفًا عَنْ نُزُولِ الْجَزَاءِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَقْتَ الْقُرْبَانِ، وَهُوَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ الَّتِي يَلْزَمُ عِنْدَ انْحِلَالِهَا حُكْمُ الْحِنْثِ فَيَصِيرُ مُولِيًا وَقَوْلُهُ: يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قُلْنَا وَقَدْ يَمْلِكُ مِنْ غَيْرِ تَمَلُّكٍ بِالْإِرْثِ، فَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ.
لَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ يَمْضِي قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِصِيَامٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَغْزُوَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ
وَذَكَرَ الْقَاضِي - فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ - الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّا يَصِحُّ إيجَابُهَا بِالنَّذْرِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَيَصِيرُ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْقُلُ عَلَى الطَّبْعِ بَلْ يَسْهُلُ، وَلَا يُعَدُّ مَانِعًا فِي الْعُرْفِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ، فَلَا يَصِيرُ مُولِيًا، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ.
وَكَذَا لَا مَدْخَلَ لِلصَّلَاةِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَلَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ أَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ نَصًّا، وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبُ الْيَمِينِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي أَنَّهُ مُولٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ بِنَحْرِ الْوَلَدِ يَصِحُّ، وَيَجِبُ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ هُوَ بَاطِلٌ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ، وَفُلَانٍ كَانَ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ كَانَ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ آلَى مِنْهَا زَوْجُهَا لِإِتْيَانِهِ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِلتَّشْبِيهِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الْإِيلَاءَ انْصَرَفَ التَّشْبِيهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّحْرِيمَ وَلَا الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنَا مِنْك مُولٍ إنَّهُ إنْ عَنَى بِهِ الْخَبَرَ بِالْكَذِبِ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَخَبَرُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ يُحْمَلُ عَلَى الصِّدْقِ وَلَا يَكُونُ صَادِقًا إلَّا بِثُبُوتِ الْمُخْبَر بِهِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْإِيجَابَ كَانَ مُولِيًا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك فِي إيلَائِهَا كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِيلَاءِ لَوْ صَحَّتْ لَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ مُولٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ جَعَلَ الطَّلَاقَ جَزَاءً مَانِعًا مِنْ الْقُرْبَانِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَصَارَ مُولِيًا كَذَا هَذَا، وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ مُولٍ لِلْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا مَا لَمْ يَقْرَبْهَا (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ يَكُونُ إيلَاءً بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَصَارَ الْإِيلَاءُ مُعَلَّقًا بِالْقُرْبَانِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا كَذَا هَذَا،، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ قُرْبَانِ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ بِمَا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا - وَهُوَ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ حَدُّ الْمُولِي - فَيَصِيرُ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ؛ أَعْنِي قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ غَيْرِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الْقُرْبَانِ أَنَّ حُكْمَهَا مَا هُوَ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى شَيْءٍ خَاصٍّ نَحْوِ امْرَأَتِهِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ أَوْ اللِّبَاسِ.
وَأَمَّا إنْ أَضَافَهُ إلَى كُلِّ حَلَالٍ عَلَى الْعُمُومِ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى امْرَأَتِهِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ مُحْرِمَةٌ عَلَيَّ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، وَغَيْرَهُ، فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا يَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً يَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ يَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَنَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute