وَالسَّنَتَيْنِ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَوَقَّتَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّصِّ شَرْطُ الْأَبَدِ فَيَلْزَمُهُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ عِنْدَ تَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِدَلِيلٍ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، فَعِنْدَنَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَبِينُ مِنْهُ، وَعِنْدَهُ لَا تَبِينُ بَلْ تُوقَفُ بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالتَّطْلِيقِ، فَلَا بُدَّ، وَأَنْ تَزِيدَ الْمُدَّةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِيلَاءُ فِي حَالِ الرِّضَا أَوْ الْغَضَبِ أَوْ أَرَادَ بِهِ إصْلَاحَ وَلَدِهِ فِي الرَّضَاعِ أَوْ الْإِضْرَارَ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ ﵃، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْإِيلَاءِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ حَالٍ، وَحَالٍ؛ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ، فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِالرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَإِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ وَالْإِضْرَارِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَأَمَّا مُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ فَشَهْرَانِ فَصَاعِدًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ كَمُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: ٢٢٦] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْلٍ نَذْكُرُهُ فِي حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَهُوَ أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ ضُرِبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَعِنْدَهُ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ ظُلْمِ الزَّوْجِ بِمَنْعِ حَقِّهَا عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ فِي الْمُدَّةِ كَأَجَلِ الْعِنِّينِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنَاوَلَتْ الْحَرَائِرَ لَا الْإِمَاءَ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى ذَكَرَ عَزْمَ الطَّلَاقِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] ، وَهِيَ عِدَّةُ الْحَرَائِرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا أَوْ حُرًّا فَالْعِبْرَةُ لِرِقِّ الْمِرْأَةِ، وَحُرِّيَّتِهَا لَا لِرِقِّ الرَّجُلِ، وَحُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ طَلَاقٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ النِّسَاءِ.
وَلَوْ اعْتَضَّ الْعِتْقُ عَلَى الرِّقِّ بِأَنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً وَقْتَ الْإِيلَاءِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ تَحَوَّلَتْ مُدَّتُهَا مُدَّةَ الْحَرَائِرِ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ لَا تَنْقَلِبُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ، وَفِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ تَنْقَلِبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا - لَا يَكُونُ مُولِيًا لِنُقْصَانِ الْمُدَّةِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ، وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ، وَالْجَمْعُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ فَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَكَتَ يَوْمًا فَقَدْ مَضَى يَوْمٌ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَيْنِ لَيْسَا بِمُدَّةِ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، فَإِذَا قَالَ: وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَقَدْ جَمَعَ الشَّهْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ إلَى الْأُولَيَيْنِ بَعْدَمَا مَضَى يَوْمٌ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِنُقْصَانِ الْمُدَّةِ، كَذَا هَذَا.
وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِلْحَالِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَكُونُ مُولِيًا لِلْحَالِ حَتَّى لَوْ مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِيهَا لَا تَبِينُ وَلَوْ قَرِبَهَا يَوْمًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُنْذُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِيهَا تَبِينُ لَوْ قَرِبَهَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى يَنْصَرِفُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً إلَّا يَوْمًا انْصَرَفَ الْيَوْمُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ حَتَّى صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، كَذَا هَهُنَا.
وَإِذَا انْصَرَفَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَزِيَادَةً فَيَصِيرُ مُولِيًا؛ وَلِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ، فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ، وَهَذَا حَدُّ الْمُولِي وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنْكَرٌ فَتَعْيِينُ الْيَوْمِ الْآخَرِ تَغْيِيرُ الْحَقِيقَةِ وَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَبَقِيَ الْمُسْتَثْنَى يَوْمًا شَائِعًا فِي السَّنَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ، فَلَا تَكْمُلُ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى يَوْمًا شَائِعًا فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَمْنَعْ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِ امْرَأَتِهِ بِمَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ يَوْمًا لَلْقُرْبَانِ أَيَّ يَوْمٍ كَانَ فَيَقْرَبُهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا.
وَفِي بَابِ الْإِجَارَةِ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى تَعْيِينِ الْحَقِيقَةِ لِتَصْحِيحِ الْإِجَارَةِ؛ إذْ لَا صِحَّةَ لَهَا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً فِي الْإِجَارَةِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بِانْصِرَافِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْيَوْمِ الْأَخِيرِ، وَهَهُنَا لَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُدَّةِ لَا تُبْطِلُ الْيَمِينَ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ قَرِبَهَا