وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَبَا الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيَّ ﵃ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ إنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، تَرِثُهُ، وَيَرِثُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَاتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ ﵃ عَلَى اعْتِبَارِ الْغُسْلِ فَكَانَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِلْحَدِيثِ، وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.
وَلِأَنَّ أَيَّامَهَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ تُسْتَيْقَنْ بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ الْمُعَاوَدَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ، إذْ الدَّمُ لَا يُدَرُّ دَرًّا وَاحِدًا وَلَكِنَّهُ يُدَرُّ مَرَّةً، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَكَانَ احْتِمَالُ الْعَوْدِ قَائِمًا، وَالْعَائِدُ يَكُونُ دَمَ حَيْضٍ إلَى الْعَشَرَةِ فَلَمْ يُوجَدْ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ بِيَقِينٍ، فَلَا يَثْبُتُ الطُّهْرُ بِيَقِينٍ فَتَبْقَى الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِيَقِينٍ،، وَالثَّابِتُ بِيَقِينٍ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ كَمَنْ اسْتَيْقَنَ بِالْحَدَثِ، وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرًا؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا يَحْتَمِلُ عَوْدُ دَمِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْعَشَرَةِ إذْ الْعَشَرَةُ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فَتَيَقَّنَّا بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ فَيَزُولُ الْحَيْضُ ضَرُورَةً، وَيَثْبُتُ الطُّهْرُ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالشَّافِعِيُّ بَنَى قَوْلَهُ فِي هَذَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِالْأَطْهَارِ لَا بِالْحِيَضِ فَإِذَا طَعَنَتْ فِي أَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْأَصْلِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَبْطُلُ الْفَرْعُ ضَرُورَةً، وَإِذَا اغْتَسَلَتْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، وَهُوَ إبَاحَةُ أَدَاءِ الصَّلَاةِ إذْ لَا يُبَاحُ أَدَاؤُهَا لِلْحَائِضِ فَتَقَرَّرَ الِانْقِطَاعُ بِقَرِينَةِ الِاغْتِسَالِ فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ،، وَكَذَا إذَا لَمْ تَغْتَسِلْ لَكِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ إذْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ، فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهَا فَاسْتَحْكَمَ الِانْقِطَاعُ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ بِأَنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ إذْ لَا صِحَّةَ لَهَا مَعَ قِيَامِ الْحَيْضِ فَقَدْ يُضَافُ إلَى الِانْقِطَاعِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَاسْتَحْكَمَ الِانْقِطَاعُ فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فَأَمَّا إذَا تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ فَهَلْ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا تَنْقَطِعُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْقَطِعُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ فَقَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، وَهُوَ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ، فَلَا يَبْقَى الْحَيْضُ ضَرُورَةً كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ بِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَيَّامَهَا إذَا كَانَتْ دُونَ الْعَشَرَةِ لَمْ تَسْتَيْقِنْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِنَفْسِ انْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تَنْضَمُّ إلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فِي الْعَشَرَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا حَائِضٌ، وَالْحَيْضُ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الطُّهْرِ بِيَقِينٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَبِقَرِينَةِ التَّيَمُّمِ لَا تَصِيرُ فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جُعِلَ طَهُورًا شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَمَا شَرَعَتْ فِيهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بَطَلَ تَيَمُّمُهَا فَكَانَ التَّيَمُّمُ طَهَارَةً مُطْلَقَةً شَرْعًا لَكِنْ حَالُ عَدَمِ الْمَاءِ وَاحْتِمَالُ وُجُودِ الْمَاءِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ قَائِمٌ، فَكَانَ احْتِمَالُ عَدَمِ الطَّهُورِيَّةِ ثَابِتًا فَلَمْ تُوجَدْ الطَّهَارَةُ الْحَاصِلَةُ بِيَقِينٍ فَتَبْقَى نَجَاسَةُ الْحَيْضِ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ مَعَ احْتِمَالِ الْوُجُودِ فَإِذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ وَصَلَّتْ بِهِ، وَفَرَغَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ اُسْتُحْكِمَ الْعَدَمُ فَاسْتَحْكَمَتْ الطَّهَارَةُ الْحَاصِلَةُ بِالتَّيَمُّمِ، فَلَا يَبْقَى الْحَيْضُ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَاحْتِمَالُ عَدَمِ الطَّهَارَةِ ثَابِتٌ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَلَا يَكُونُ طَهَارَةً شَرْعًا بِيَقِينٍ بَلْ مَعَ الِاحْتِمَالِ فَيَبْقَى حُكْمُ الْحَيْضِ الثَّابِتِ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِيَقِينٍ لِكَوْنِ الْمَاءِ طَهُورًا مُطْلَقًا فَإِذَا ثَبَتَتْ الطَّهَارَةُ بِيَقِينٍ انْتَفَى الْحَيْضُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَضَى عَلَيْهَا وَقْتٌ كَامِلٌ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَقِّهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ بِيَقِينٍ، فَلَا يَبْقَى الْحَيْضُ بِيَقِينٍ فَتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِيَقِينٍ وَلَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الِاغْتِسَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ إمَّا فِي طَهُورِيَّتِهِ أَوْ فِي طَهَارَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ طَاهِرًا أَوْ طَهُورًا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِتَقَرُّرِ الِانْقِطَاعِ بِالِاغْتِسَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ لَزِمَ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَخْذًا بِالثِّقَةِ فِي الْحُكْمَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْحُرْمَةِ فِي الْبَابَيْنِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute