للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُصَلِّي بِذَلِكَ الْغُسْلِ مَا لَمْ تَتَيَمَّمْ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَبَقِيَ مِنْ بَدَنِهَا شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَالْبَاقِي لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ عُضْوًا كَامِلًا.

وَأَمَّا إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَإِنْ كَانَ عُضْوًا كَامِلًا فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ، فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: قَوْلُهُ: لَا رَجْعَةَ لَهُ فِي الْأَقَلِّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ الرَّجْعَةُ، فَمُحَمَّدٌ قَاسَ الْمَتْرُوكَ إذَا كَانَ عُضْوًا عَلَى تَرْكِ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ.

وَقَالَ : هُنَاكَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ أَنْ تَنْقَطِعَ هُنَا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا وَقَالُوا لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ الْكَامِلَ مُجْمَعٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُتَغَافَلُ عَنْهُ عَادَةً فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ زَائِدًا عَلَى عُضْوٍ بِخِلَافِ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ، مُجْتَهَدٌ فِيهِ،، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْمَتْرُوكُ، وَإِنْ قَلَّ فَحُكْمُ الْحَدَثِ بَاقٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تُبَاحُ مَعَهُ، وَإِنْ قَلَّ، وَمَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ لَا تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فِي الْقَلِيلِ، وَهُوَ مَا دُونَ الْعُضْوِ فَقَالُوا: إنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا يُتَغَافَلُ عَنْهُ عَادَةً، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ أَصَابَهُ الْمَاءُ ثُمَّ جَفَّ فَيُحْكَمُ بِانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ فِيهِ، وَيَبْقَى الْأَمْرُ فِي الْعُضْوِ التَّامِّ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا وَلَكِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ.

وَجْهُ قَوْلِهِ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ أَنَّ وُجُوبَ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ مَوْضِعُ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، فَلَا يَخْلُو عَنْ الشَّكِّ، وَالشُّبْهَةِ، وَالرَّجْعَةُ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الِاحْتِيَاطِ، فَلَا يَجُوزُ بَقَاؤُهَا بِالشَّكِّ فَيَنْقَطِعُ وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ حَالِ التَّزَوُّجِ بِالشَّكِّ أَيْضًا، لِذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُ مُحَمَّدٌ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَقِيَ فِي عُضْوٍ كَامِلٍ فَتَبْقَى الرَّجْعَةُ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مُسْلِمَةً، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَقَدْ قَالُوا: إنَّ الرَّجْعَةَ تَنْقَطِعُ عَنْهَا بِنَفْسِ انْقِطَاعِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْغُسْلِ وَلَا يَلْزَمُهَا فَرْضُ الْغُسْلِ كَالْمُسْلِمَةِ إذَا اغْتَسَلَتْ.

(وَمِنْهَا) عَدَمُ التَّطْلِيقِ بِشَرْطٍ، وَالْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى لَوْ قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ، أَوْ رَاجَعْتُكِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِيفَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ، وَالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا إنْشَاءُ الْمِلْكِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَتَضَمَّنُ انْفِسَاخَ الطَّلَاقِ فِي انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَمَنْعَهُ عَنْ عَمَلِهِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ أَضَافَهَا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ اسْتَبْقَى الطَّلَاقَ إلَى غَايَةٍ، وَاسْتِبْقَاءُ الطَّلَاقِ إلَى غَايَةٍ يَكُونُ تَأْبِيدًا لَهُ إذْ هُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْقِيتُ، وَيَتَأَبَّدُ الطَّلَاقُ، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، هَذَا إذَا أَنْشَأَ الرَّجْعَةَ، فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَنْ الرَّجْعَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ: كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَقَدْ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ، سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْعِدَّةِ أَمْسِ.

وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْ شَاءَهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الْحَالِ، وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْ شَاءَهُ فِي الْحَالِ يُصَدَّقْ فِيهِ.

إذْ لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ يُنْشِئُهُ لِلْحَالِ، فَلَا يُفِيدُ التَّكْذِيبَ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ قَبْلَ الْعَزْلِ إذَا قَالَ بِعْته أَمْسِ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بَعْدَ الْعَزْلِ إذَا قَالَ قَدْ بِعْت، وَكَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ تُسْتَحْلَفُ.

وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي لَا يَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ فَتُسْمَعُ وَلَوْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَمَةَ الْغَيْرِ فَقَالَ زَوْجُهَا - بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ - كُنْت رَاجَعْتُكِ، وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى، وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْمَوْلَى،، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا إخْبَارٌ مِنْهَا عَنْ حَيْضِهَا، وَذَلِكَ إلَيْهَا لَا إلَى الْمَوْلَى كَالْحُرَّةِ، فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا: قَدْ رَاجَعْتُكِ، فَقَالَتْ - مُجِيبَةً لَهُ: قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ يَمِينِهَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ،، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>