للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ مَا تَكْتَفِي بِهِ فِي السُّكْنَى وَتَسْتَتِرُ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا لَا يَكْفِيهَا أَوْ خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا مِنْهُمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَنْتَقِلَ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَالْعِبَادَاتُ تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ نَقَلَ عَلِيٌّ أُمَّ كُلْثُومٍ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ نَقَلَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا قُتِلَ طَلْحَةُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ لِلْعُذْرِ، وَإِذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى أُجْرَةِ الْبَيْتِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَا عُذْرَ، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهَا الْعِبَادَةُ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ بِأَنْ وَجَدَ ثَمَنَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَا يَجِبُ لِعُذْرِ الْعَدَمِ.

كَذَا هَهُنَا، وَإِذَا انْتَقَلَتْ لِعُذْرٍ يَكُونُ سُكْنَاهَا فِي الْبَيْتِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهَا فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي انْتَقَلَتْ مِنْهُ فِي حُرْمَةِ الْخُرُوجِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ كَانَ لِعُذْرٍ فَصَارَ الْمَنْزِلُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَأَنَّهُ مَنْزِلُهَا مِنْ الْأَصْلِ فَلَزِمَهَا الْمُقَامُ فِيهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ أَوْ بَائِنٍ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهَا الَّذِي تَعْتَدُّ فِيهِ إلَى سَفَرٍ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهِيَ عَلَى الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَ ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ﴾ [الطلاق: ١] وَقَوْلُهُ ﷿: " هُنَّ " كِنَايَةٌ عَنْ الْمُعْتَدَّاتِ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ زَالَتْ بِالثَّلَاثِ وَالْبَائِنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا، وَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى سَفَرٍ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ حَجٍّ فَرِيضَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، لَا مَعَ زَوْجِهَا وَلَا مَعَ مَحْرَمٍ غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا أَوْ يُرَاجِعَهَا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ﴾ [الطلاق: ١] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ خُرُوجٍ وَخُرُوجٍ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ فَلَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا مَنَعَتْ أَصْلَ الْخُرُوجِ فَلَأَنْ تُمْنَعَ مِنْ خُرُوجٍ مَدِيدٍ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ السَّفَرِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا اسْتَوَى فِيهِ سَفَرُ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ حَجُّ الْإِسْلَامِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ فِي مَنْزِلِهَا وَاجِبٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَسَفَرُ الْحَجِّ وَاجِبٌ يُمْكِن تَدَارُكُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُهُ فَكَانَ تَقْدِيمَ وَاجِبٍ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بَعْدَ الْفَوْتِ جَمْعًا بَيْنَ الْوَاجِبِينَ فَكَانَ أَوْلَى، وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ زُفَرَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ عَدَمٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءً.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَةَ بِهَا رَجْعَةٌ عِنْدَهُ دَلَالَةً، وَوَجْهُهُ أَنَّ إخْرَاجَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ حَرَامٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الرَّجْعَةُ لَمْ يُسَافِرْ بِهَا ظَاهِرًا تَحَرُّزًا عَنْ الْحَرَامِ فَيَجْعَلُ الْمُسَافِرَةَ بِهَا رَجْعَةً دَلَالَةً حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ، وَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ عَنْ شَهْوَةٍ رَجْعَةً، كَذَا هَذَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: ١] نَهَى الْأَزْوَاجَ عَنْ الْإِخْرَاجِ وَالنِّسَاءَ عَنْ الْخُرُوجِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ فَسَادُ التَّخْرِيجِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْكِتَابِ الْعُزَيْرِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ إخْرَاجِ الْمُعْتَدَّةِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُ النِّكَاحِ قَائِمًا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَيُتْرَكُ الْقِيَاسُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُسَافِرْ بِهَا؛ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ زَوْجٍ وَهُوَ زَوْجٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْرَمِ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ﴾ [الطلاق: ١] وَأَمَّا التَّخْرِيجُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إنَّ مُسَافَرَةَ الزَّوْجِ بِهَا دَلَالَةُ الرَّجْعَةِ فَمَمْنُوعٌ وَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ تَحَرُّزًا عَنْ الْحَرَامِ فَذَلِكَ فِيمَا كَانَ النَّهْيُ فِي التَّحْرِيمِ ظَاهِرًا، فَأَمَّا فِيمَا كَانَ خَفِيًّا فَلَا، وَحُرْمَةُ إخْرَاجِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ مَعَ قِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِمَّا لَا يَخْفَى عَنْ الْفُقَهَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ فَلَا يَثْبُتُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ مَعَ مَا أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يُرَاجِعُهَا نَصًّا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالدَّلَالَةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا.

وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَافَرَةُ بِهَا دَلَالَةَ الرَّجْعَةِ فَلَوْ أَخْرَجَهَا لَأَخْرَجَهَا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ وَهَذَا حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ خَرَجَتْ مُحْرِمَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ وَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ الْمُضِيِّ فِي حَجِّهَا لِمَكَانِ الْعِدَّةِ، فَأَمَّا إذَا رَاجَعَهَا الزَّوْجُ فَقَدْ بَطَلَتْ الْعِدَّةُ وَعَادَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَجَازَ لَهُ السَّفَرُ بِهَا، وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ فِي حُرْمَةِ الْخُرُوجِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى السَّفَرِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ لِعُمُومِ النَّهْيِ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>