عَنْ الْخُرُوجِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ أَخَفُّ لِخِفَّةِ الْخُرُوجِ وَالْإِخْرَاجِ فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا خَرَجَ مَعَ امْرَأَتِهِ مُسَافِرًا فَطَلَّقَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَضَتْ لَاحْتَاجَتْ إلَى إنْشَاءِ سَفَرٍ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ، وَلَوْ رَجَعَتْ مَا احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ فَكَانَ الرُّجُوعُ أَوْلَى كَمَا إذَا طَلُقَتْ فِي الْمِصْرِ خَارِجَ بَيْتِهَا أَنَّهَا تَعُودُ إلَى بَيْتِهَا، كَذَا هَذَا.
وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهَا تَمْضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُضِيِّ إنْشَاءُ سَفَرٍ، وَفِي الرُّجُوعِ إنْشَاءُ سَفَرٍ وَالْمُعْتَدَّةُ مَمْنُوعَةٌ عَنْ السَّفَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ كَالْمَفَازَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لَهَا كَالْمِصْرِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ بِأَنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَتَاعِهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِذَا عَادَتْ أَوْ مَضَتْ فَبَلَغَتْ أَدْنَى الْمَوَاضِعِ فَهِيَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى الَّتِي تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فِي مُضِيِّهَا أَوْ رُجُوعِهَا، أَقَامَتْ فِيهِ وَاعْتَدَّتْ إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ وَجَدَتْ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الطَّلَاقُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَكَانَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَجَاوَزَهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا فَكَذَا إذَا وَصَلَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقِيمُ فِيهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلَا تَخْرُجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ، حَجًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ مَضَتْ عَلَى سَفَرِهَا (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ بَلْ لِمَكَانِ السَّفَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَقْصِدِهَا وَمَنْزِلِهَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ لِلْعِدَّةِ لَا تَخْتَلِفُ بِالسَّفَرِ وَغَيْرِ السَّفَرِ، وَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ لِمَكَانِ السَّفَرِ تَسْقُطُ بِوُجُودِ الْمَحْرَمِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ مَانِعَةٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ هَهُنَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجٍ مُبْتَدَإٍ بَلْ هُوَ خُرُوجٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مُبْتَدَأٌ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا مَسِيرَةُ سَفَرٍ كَانَتْ مُنْشِئَةً لِلْخُرُوجِ بِاعْتِبَارِ السَّفَرِ فَيَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمُ، وَمَا حُرِّمَ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ لَا يَسْقُطُ بِوُجُودِ الْمَحْرَمِ.
(وَأَمَّا) الْمُعْتَدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعِدَّةِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَحْكَامِ النِّكَاحِ بَلْ هِيَ أَحْكَامُ النِّكَاحِ السَّابِقِ فِي الْحَقِيقَةِ بَقِيَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَا يُفِيدُ الْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ فَكَذَا الْعِدَّةُ إلَّا إذَا مَنَعَهَا الزَّوْجُ لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَلَهُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْأَمَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَخْرُجْنَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ: أَمَّا الْأَمَةُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَالِ النِّكَاحِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا فِي حَالِ النِّكَاحِ كَذَا فِي حَالِ الْعِدَّةِ؛ وَلِأَنَّ خِدْمَتَهَا حَقُّ الْمَوْلَى فَلَوْ مَنَعْنَاهَا مِنْ الْخُرُوجِ لَأَبْطَلْنَا حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا بَوَّأَهَا مَوْلَاهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَخْرُجُ مَا دَامَتْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يُخْرِجَهَا فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا كَانَ أَعَارَهَا لِلزَّوْجِ، وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَارِيَّةُ؛ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ النِّكَاحِ مُرَتَّبَةٌ عَلَيْهَا وَلَوْ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ النِّكَاحِ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَبْدُوَ لِلْمَوْلَى فَكَذَا فِي حَالِ الْعِدَّةِ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَمَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَكَانَ الْمَوْلَى مُسْتَغْنِيًا عَنْ خِدْمَتِهَا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا جَازَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِإِذْنِهِ جَازَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِكُلِّ وَجْهٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ لَزِمَهَا لَمْ يَسْقُطْ بِإِذْنِهِ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا لِأَنَّهَا أَمَةُ الْمَوْلَى وَكَذَا إذَا عَتَقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا عِدَّةُ وَطْءٍ فَكَانَتْ كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا.
وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلِأَنَّ سِعَايَتَهَا حَقُّ الْمَوْلَى إذْ بِهَا يَصِلُ الْمَوْلَى إلَى حَقِّهِ فَلَوْ مَنَعْنَاهَا مِنْ الْخُرُوجِ لَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حُرَّةٌ، وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي الْعِدَّةِ يَلْزَمُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا مَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute