الْخُرُوجِ قَدْ زَالَ.
وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهَا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ لَا رَجْعَةَ فِيهَا، سَوَاءٌ أَذِنَ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ لَمْ يَأْذَنْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ السُّكْنَى فِي الْبَيْتِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الزَّوْجِ، وَحَقُّ اللَّهِ ﷿ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَحَقُّ الزَّوْجِ فِي حِفْظِ الْوَلَدِ، وَلَا وَلَدَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ رَجْعِيَّةً فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ، وَكَذَا الْمَجْنُونَةُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ كَالصَّغِيرَةِ إلَّا أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِتَحْصِينِ مَائِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ لِصِيَانَةِ الْمَاءِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ، وَالصَّغِيرَةُ لَا تَحْبَلُ وَالْمَنْعُ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِكَوْنِهَا زَوْجَتَهُ.
وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَجْهٍ فَتَكُونُ عِبَادَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ عِبَادَاتٌ إلَّا إذَا مَنَعَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْخُرُوجِ لِتَحْصِينِ مَائِهِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ حَقٌّ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ صِيَانَةُ مَائِهِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ مَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اللُّزُومِ هُوَ الْكُفْرُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْمَجُوسِيَّةُ إذَا أَسْلَمَ زَوْجُهَا وَأَبَتْ الْإِسْلَامَ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَلَ بِهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ؛ لِمَا قُلْنَا، إلَّا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِتَحْصِينِ مَائِهِ، فَإِذَا طَلَبَ مِنْهَا ذَلِكَ يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ يَجِبُ إبْقَاؤُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ، وَلَوْ قَبَّلَتْ الْمُسْلِمَةُ ابْنَ زَوْجِهَا حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ ﷿ وَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ بِلَا مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَلَوْ شُرِطَ لَهُ الْمَحْرَمُ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَسِيرَةِ سَفَرٍ إلَّا مَعَ الْمَحْرَمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْرَمُ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ أَوْ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَإِنْ وَرَدَ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَحْرَمِيَّةُ وَهُوَ حُرْمَةُ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَدْ وُجِدَ فَكَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَارِدٌ فِي الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ دَلَالَةً.
وَمِنْهَا وُجُوبُ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا فِي تَفْسِيرِ الْإِحْدَادِ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِحْدَادَ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ أَوَّلًا، وَالثَّالِثُ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ وُجُوبِهِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْإِحْدَادُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الزِّينَةِ، يُقَالُ: أَحَدَّتْ عَلَى زَوْجِهَا وَحَدَّتْ أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ الزِّينَةِ وَهُوَ أَنْ تَجْتَنِبَ الطِّيبَ وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ، وَتَجْتَنِبَ الدُّهْنَ وَالْكُحْلَ وَلَا تَخْتَضِبَ وَلَا تَمْتَشِطَ وَلَا تَلْبَسَ حُلِيًّا وَلَا تَتَشَوَّفَ.
أَمَّا الطِّيبُ فَلِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ.
وَقَالَ ﷺ: " الْحِنَّاءُ طِيبٌ " فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اجْتِنَابِ الطِّيبِ، وَلِأَنَّ الطِّيبَ فَوْقَ الْحِنَّاءِ فَالنَّهْيُ عَنْ الْحِنَّاءِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الطِّيبِ دَلَالَةً، كَالنَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ نَهِيٌّ عَنْ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ دَلَالَةً، وَكَذَا لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ وَالْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَكَانَ كَالطِّيبِ وَأَمَّا الدُّهْنُ فَلِمَا فِيهِ مِنْ زِينَةِ الشَّعْرِ، وَفِي الْكُحْلِ زِينَةُ الْعَيْنِ وَلِهَذَا حُرِّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ ذَلِكَ وَهَذَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ، فَأَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِأَنْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَكْتَحِلَ أَوْ اشْتَكَتْ رَأْسَهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَصُبَّ فِيهِ الدُّهْنَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَهُ لَكِنْ لَا تَقْصِدُ بِهِ الزِّينَةَ؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْقَصَبَ وَالْخَزَّ الْأَحْمَرَ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ: وَلَا تَلْبَسُ قَصَبًا وَلَا خَزًّا تَتَزَيَّنُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَزَّ وَالْقَصَبَ قَدْ يُلْبَسُ لِلزِّينَةِ وَقَدْ يُلْبَسُ لِلْحَاجَةِ وَالرَّفَاءِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْقَصْدُ، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ الزِّينَةُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ جَازَ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَمْ لَا فَنَقُولُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ.
وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ: لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالْأَحَادِيثِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃ أَمَّا الْأَحَادِيثُ فَمِنْهَا مَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ﵂ لَمَّا بَلَغَهَا مَوْتُ أَبِيهَا أَبِي سُفْيَانَ انْتَظَرَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ دَعَتْ بِطِيبٍ.
وَقَالَتْ: مَا لِي إلَى الطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، لَكِنْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَرُوِيَ