للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشُبْهَةٍ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ عَنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَنْكُوحَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فَحَمَلَتْ مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فِي سَنَتَيْنِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَقَرَّتْ لَزِمَهُ أَيْضًا، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مُصَدَّقَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إذْ الشَّرْعُ ائْتَمَنَهَا عَلَى ذَلِكَ فَتُصَدَّقُ مَا لَمْ يَظْهَرْ غَلَطُهَا أَوْ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ظَهَرَ غَلَطُهَا أَوْ كَذِبُهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ إذْ الْمَرْأَةُ لَا تَلِدُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ يَكُونُ غَلَطًا أَوْ يَكُونُ كَذِبًا إذْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْخَبَرِ لَا عَلَى مَا هُوَ بِهِ، وَهَذَا حَدُّ الْكَذِبِ فَالْتَحَقَ إقْرَارُهَا بِالْعَدَمِ، وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَجَاءَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ فَلَمْ يَكُنْ وَلَدَ زِنًا لَكِنْ لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَلَزِمَ تَصْدِيقُهَا فِي إخْبَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مِنْ الزَّوْجِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مَذْهَبُنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَقَرَّتْ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ.

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ إقْرَارَهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الصَّبِيِّ وَهُوَ تَضْيِيعُ نَسَبِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ حَقًّا لِلصَّبِيِّ فَلَا يُقْبَلُ، وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّرْعَ ائْتَمَنَهَا فِي الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَيْثُ نَهَاهَا عَنْ كِتْمَانِ مَا فِي رَحِمِهَا، وَالنَّهْيُ عَنْ الْكِتْمَانِ أَمْرٌ بِالْإِظْهَارِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْقَبُولِ، وَقَوْلُهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الصَّبِيِّ فِي النَّسَبِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ إبْطَالَ الْحَقِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ يَكُونُ، وَالنَّسَبُ هَهُنَا غَيْرُ ثَابِتٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَزِمَ الزَّوْجَ أَيْضًا وَصَارَ مُرَاجِعًا لَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ مِنْ وَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَهُوَ وَطْءُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ فَيَمْلِكُ وَطْأَهَا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَمَتَى حُمِلَ عَلَيْهِ صَارَ مُرَاجِعًا بِالْوَطْءِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ فَوَطِئَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَعَلِقَتْ فَصَارَ مُرَاجِعًا.

فَإِنْ قِيلَ هَلَّا حُمِلَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لِيَصِيرَ مُرَاجِعًا لَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ لَلَزِمَ إثْبَاتُ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ مِنْ وَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ رَجْعَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً، فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ مَعَ الشَّكِّ، أَمَّا هَهُنَا فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ مِنْ وَطْءٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْوَطْءِ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ لَزِمَهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيِسَةٍ بَلْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِهِ مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً تَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَشْهُرِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ فَالْتَحَقَ إقْرَارُهَا بِالْعَدَمِ فَجُعِلَ كَأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِهِ مُطْلَقًا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْيَأْسُ بَعُدَ حَمْلُ إقْرَارِهَا عَلَى الْأَقْرَاءِ بِالِانْقِضَاءِ بِالْأَشْهُرِ لِبُطْلَانِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقْرَاءِ بِالِانْقِضَاءِ بِالْأَقْرَاءِ حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ.

وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا إنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِمَّا إنْ كَانَتْ لَمْ تُقِرَّ وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا حَامِلٌ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرِ، وَإِمَّا إنْ سَكَتَتْ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِمَّا إنْ كَانَ رَجْعِيًّا.

فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّغِيرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>